للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنّا لَصادِقُونَ (٤٩)}

الشرح: {قالُوا} أي: المتآمرون على قتل صالح، أي: قال بعضهم لبعض. {تَقاسَمُوا بِاللهِ:} يحتمل الأمر، والماضي، والمعنى: تحالفوا بالله، وفيه دليل على أن الكفار يعتقدون بوجود إله يسمونه الله، وإن كان لهم فيه اعتبارات حسب المعبودات التي كانوا ينصبونها للعبادة، ويعظمونها، ويقدسونها في كل زمان ومكان، حتى الملحدين في هذه الأيام، فإنهم يلهجون بحركاتهم، وسكناتهم بكلمة (يا الله) من حيث لا يشعرون. {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ:} لنباغتن صالحا، وأهله ليلا. وقرئ الفعل بالنون، والياء، والتاء، ومثله (لنقولن) وعلى قراءتهما بالنون مفتوح ما قبل النون، وعلى قراءتهما بالتاء والياء مضموم ما قبل النون، وانظر الإعراب.

{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} أي: لأقربائه الذين لهم ولاية الدم، وحق المطالبة بدمه. {ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ:} ما حضرنا، ولا ندري من قتله وأهله؛ أي: لا علم لنا بذلك قطعا. {وَإِنّا لَصادِقُونَ:} فيما نقول من إنكارنا العلم بقتله، وقتل أهله. هذا؛ ويقرأ: {مَهْلِكَ} بضم الميم وفتح اللام على زنة المفعول، ويقرأ بفتح الميم مع كسر اللام وفتحها، فالقراآت ثلاث سبعيات، وانظر شرح {أَهْلَهُ} في الآية رقم [١٦٩] من سورة (الشعراء).

تنبيه: قال السدي، وغيره: أوحى الله تعالى إلى صالح-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: إن قومك سيعقرون ناقتك، فقال لهم ذلك، فقالوا: ما كنا لنفعل، فقال لهم: إنه سيولد في شهركم هذا غلام يعقرها، ويكون هلاككم على يديه، فقالوا: لا يولد في هذا الشهر غلام إلا قتلناه، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر أولاد ذكور، فذبحوا أبناءهم، ثم ولد للعاشر، فأبى أن يذبح ولده، وكان لم يولد له قبل ذلك ذكر، وكان ابن العاشر أزرق أحمر، فنبت نباتا سريعا، وكان إذا مر بالتسعة، فرأوه؛ قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل هذا، وغضب التسعة على صالح؛ لأنه كان سبب قتلهم أبناءهم، فتعصبوا، وتقاسموا بالله... إلخ.

قالوا لما عزموا على قتله: نخرج إلى سفر، فنري الناس سفرنا، فنكون في غار، حتى إذا كان الليل، وخرج صالح إلى مسجده؛ أتيناه، فقتلناه، ثم قلنا: ما شهدنا مهلك أهله، وإنا لصادقون، فيصدقوننا، ويعلمون أننا خرجنا إلى سفر، وكان صالح-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-لا ينام معهم في القرية، وكان يأوي إلى مسجده، فإذا أصبح أتاهم، فوعظهم، فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا، فسقط عليهم الغار، فقتلهم.

فرأى ذلك ناس ممن كان قد اطلع على ذلك، فصاحوا في أهل بلدتهم: يا عباد الله! أما رضي صالح أن أمر بقتل أولادهم حتى قتلهم، فأجمع أهل البلد على قتل الناقة. انتهى. قرطبي

<<  <  ج: ص:  >  >>