للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلام: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ..}. إلخ كله مستأنف لا محل له. {فَأَنّى:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كانوا يعترفون بأن الله خلق السموات والأرض فكيف يصرفون عن توحيده، وعبادته. (أنى): اسم استفهام، وتعجب، وتوبيخ مبني على السكون في محل نصب حال عامله ما بعده. {يُؤْفَكُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر بإذا، والجملة الشرطية مستأنفة لا محل لها.

{اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢)}

الشرح: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ:} لما ذكر سبحانه وتعالى الخلق؛ ذكر الرزق؛ لأن كمال الخلق ببقائه، وبقاء الخلق بالرزق، والله تعالى هو المتفضل بالرزق على الخلق، فله الفضل، والإحسان، والطول، والامتنان. {وَيَقْدِرُ لَهُ} أي: يضيق عليه إذا شاء، ويفقره من المال، قال تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي: ضيق عليه في الرزق. وينبغي أن يعلم الإنسان: أن البسط في الرزق لا ينبئ عن كرامة العبد على الله، والقبض، والضيق في الرزق لا ينبئ عن هوان العبد على الله، بل العكس هو الصحيح، فإذا رأينا إنسانا عاصيا لله، وهو يمده في المال، ويعطيه ما يرغب فيه من حطام الدنيا؛ فإن هذا الإمداد والإعطاء قد يكون استدراجا له، قال تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ،} وقال جل ذكره: {مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا،} وقال تعالى شأنه: {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً}.

هذا وإذا رأينا إنسانا مطيعا لله تعالى، ورزقه مضيق عليه، فقد يكون ذلك رحمة من الله له؛ لأنه تعالى لا يريد أن يلوثه بحطام الدنيا، ولا أن يكثر مسئوليته أمامه يوم القيامة عن تبعات المال، وخذ ما يلي: فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله عزّ وجلّ ليحمي عبده المؤمن من الدّنيا، وهو يحبّه كما تحمون مريضكم الطّعام، والشّراب». رواه الحاكم. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التقى مؤمنان على باب الجنّة: مؤمن غنيّ، ومؤمن فقير كانا في الدنيا، فأدخل الفقير الجنّة، وحبس الغنيّ ما شاء الله أن يحبس، ثمّ أدخل الجنّة، فلقيه الفقير، فقال: يا أخي ما حبسك؟ والله لقد حبست؛ حتّى خفت عليك! فيقول:

يا أخي! إنّي حبست بعدك محبسا فظيعا كريها، ما وصلت إليك؛ حتّى سال مني من العرق ما لو ورده ألف بعير، كلّها أكلة حمض النّبات؛ لصدرت عنه رواء». رواه أحمد.

{إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:} يعلم ما يصلحهم، وما يفسدهم، فيعطي كل واحد حسب ما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، من غنى، أو فقر، والسعيد من كان رزقه كفافا، وقنع به، ورضيه، وحمد الله عليه. وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «إن من عبادي من لا يصلح

<<  <  ج: ص:  >  >>