والأرض الخلق، وفي الشمس، والقمر التسخير؛ لأن مجرد خلق الشمس والقمر، ليس حكمة، فإن الشمس لو كانت مخلوقة بحيث تكون في موضع واحد، لا تتحرك؛ ما حصل الليل، والنهار، ولا الصيف، والشتاء وكذلك القمر لولا زيادته، ونقصانه، ونوره، ومحاقه؛ لما أمكن معرفة الشهور، وعددها، فحينئذ الحكمة إنما هي في تحريكهما، وتسخيرهما. {لَيَقُولُنَّ اللهُ:} لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد، واجب الوجود. {فَأَنّى يُؤْفَكُونَ:} أي فكيف يصرفون عن توحيد الله وعبادته مع إقرارهم بذلك، واعترافهم: أنه هو الصانع الحكيم.
هذا وقد قال تعالى في سورة الذاريات {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي: يصرف عنه من صرف، فهو من باب: ضرب، ومصدره: أفكا، كضربا. هذا؛ وهو من الباب الرابع بمعنى: كذب، ومصدره، إفكا كعلما، ويغلب مجيء الأول بالبناء للمجهول، وقد يجيء بالبناء للمعلوم، كما في قوله تعالى:{قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا} سورة الأحقاف رقم [٢٢] ومن مجيئه بمعنى الكذب قوله تعالى: {فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ} الآية رقم [٤٥] من سورة (الشعراء)، انظر شرحها هناك، ففيه كبير فائدة.
الإعراب:{وَلَئِنْ:} الواو: حرف استئناف. اللام: موطئة لقسم محذوف، تقديره: والله.
(إن): حرف شرط جازم. {سَأَلْتَهُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، والهاء مفعوله الأول، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {مَنْ:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {خَلَقَ:}
فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره:«هو» يعود إلى: {مَنْ}. {السَّماواتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. {وَالْأَرْضَ:}
معطوف على ما قبله بالواو العاطفة، وجملة:{خَلَقَ..}. إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{مَنْ خَلَقَ..}. إلخ في محل نصب مفعول به ثان للفعل:(سأل)، وجملة:{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} معطوفة على ما قبلها فهي في محل رفع مثلها. {لَيَقُولُنَّ:} اللام: واقعة في جواب القسم المقدر. (يقولنّ): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة لتوالي الأمثال، وواو الجماعة المحذوفة، المدلول عليها بالضمة في محل رفع فاعل، والنون حرف لا محل له. {اللهُ:} مبتدأ، وخبره محذوف، التقدير: الله خلقهن، أو هو فاعل لفعل محذوف، التقدير: خلقهن الله، ويرجحه التصريح به في قوله تعالى في سورة (الزخرف): {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} رقم [٩]، والجملة على الاعتبارين في محل نصب مقول القول، وجملة:{لَيَقُولُنَّ اللهُ} جواب القسم المقدر، المدلول عليه باللام الموطئة، وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه، على القاعدة:«إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهما» قال ابن مالك -رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز] واحذف لدى اجتماع شرط وقسم... جواب ما أخّرت فهو ملتزم