للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠)}

الشرح: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ}: العهد: اسم للجنس، أي: بجميع عهود الله، وهي أوامره، ونواهيه؛ التي وصى بها عباده، ويدخل في هذه الألفاظ جميع الفروض، وتجنب جميع المعاصي، هذا؛ وقيل: عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود؛ الأول: العهد الذي أخذه على جميع ذرية آدم عليه السّلام في قديم الأزل بأن يقروا بربوبيته، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ..}. إلخ الآية رقم [١٧١] من سورة (الأعراف)، والعهد الثاني خص به النبيين المرسلين بأن يبلغوا الرسالة، ويقيموا الدين، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ..}. إلخ الآية رقم [٧] من سورة (الأحزاب)، والعهد الثالث خص به العلماء من كل أمة، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} الآية رقم [١٨٧] من سورة آل عمران. {وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ}: النقض: فك التركيب، وأصله فك طاقات الحبل، واستعماله في إبطال العهد استعارة تصريحية مطلقة، وهي التي يذكر فيها ملائم المشبه. قال قتادة: تقدم الله إلى عباده في نقض الميثاق، ونهى عنه في بضع وعشرين آية. انتهى. قرطبي. {الْمِيثاقَ}: أصله الموثاق، قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، وترد الواو لأصلها في الجمع؛ لأن جمع التكسير يرد الأشياء إلى أصولها، فجمعه: مواثيق، وقل مثل ذلك في ميعاد، وميقات، وميزان، وميراث، ونحو ذلك.

الإعراب: {الَّذِينَ}: فيه وجوه: الأول: إتباعه لأولي الألباب على البدلية، أو على النعت، الثاني: هو منصوب على المدح بفعل محذوف. الثالث: هو مرفوع على اعتباره مبتدأ خبره الجملة الاسمية الآتية {أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ} أو هو خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هم الذين... إلخ، وهو مبني على الفتح في محل جر على الأول، أو في محل نصب على الثاني، أو في محل رفع على الثالث. {يُوفُونَ}: مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله. {بِعَهْدِ}:

متعلقان به، و (عهد) مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها، والعائد: واو الجماعة، وجملة: {وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ} معطوفة عليها لا محل لها مثلها.

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١)}

الشرح: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد الإيمان بجميع الكتب والرسل، يعني: يصل بينهم بالإيمان، ولا يفرق بين أحد منهم. انتهى.

أقول: ويندرج فيه موالاة المؤمنين، ومراعاة جميع حقوق العباد، والأكثرون على أن المراد به صلة الرحم، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«قال الله عزّ وجلّ: أنا الله، وأنا الرحمن خلقت الرّحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن

<<  <  ج: ص:  >  >>