للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكاف اسمه. {إِذاً:} حرف جواب، وجزاء، لا عمل له هنا. هذا؛ وإن اعتبرته ظرفا متعلقا ب‍ {الظّالِمِينَ} بعده؛ فلست مفندا. {لَمِنَ:} اللام: هي المزحلقة. (من {الظّالِمِينَ}):

متعلقان بمحذوف خبر (إن)، التقدير: إنك لكائن من الظالمين حينئذ، والجملة الاسمية جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، وهذا الكلام معطوف على سابقه.

{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)}

الشرح: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ:} هم اليهود، والنّصارى، والمراد: علماؤهم.

{يَعْرِفُونَهُ:} الضمير يعود لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإن لم يسبق له ذكر؛ لدلالة الكلام عليه، وعدم اللّبس. ويقال: بل سبق ذكره بلفظ الرسول مرّتين، ويشهد لهذا قوله تعالى: {كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ} يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم، وذلك بنعته في كتبهم. قال عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-: لقد عرفت محمّدا كما أعرف ابني، ومعرفتي لمحمد أشدّ، فقال له عمر-رضي الله عنه-: ولم؟ قال: لأنّي لست أشكّ في محمّد: أنه نبيّ، فأمّا ولدي، فلعل والدته قد خانت، فقبّل رأسه، وفي رواية: أنّ عمر-رضي الله عنه-قال لعبد الله بن سلام-رضي الله عنه-:

أتعرف محمدا صلّى الله عليه وسلّم، كما تعرف ابنك؟ قال: نعم، وأكثر! بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته، فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمّه. وإنّما خصّ الأبناء بالذّكر دون البنات؛ لأنّ الذكور أشهر، وأعرف، وهم لصحبة الآباء ألزم، وبقلوبهم ألصق. انتهى كشاف.

{وَإِنَّ فَرِيقاً:} جماعة من اليهود، والنصارى، والمراد رؤساهم، وعلماؤهم. {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ:} ليخفون، وينكرون صفات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الموجودة في التوراة، والإنجيل، وهم يعلمون: أنّ كتمان الحق، ونكرانه معصية من أعظم المعاصي، وهو ظاهر في صحة الكفر عنادا، ومثله قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا} وقوله تعالى: {فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ}.

عن عطاء بن يسار-رحمه الله تعالى-قال: لقيت عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-، فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التوراة، فقال: «أجل، والله إنّه لموصوف في التّوراة بصفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا، وحرزا للأميّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكل؛ ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسّيئة السّيئة، ولكن يعفو، ويغفر، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعين عميّ، وآذان صمّ، وقلوب غلف». رواه البخاريّ، وأحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>