الشرح:{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ:} هو مثل الاية رقم [٢٣]. هذا؛ ولوط هو ابن أخي إبراهيم عليه السّلام آمن به، وهاجر معه من بلاد العراق إلى فلسطين، قال تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٢٦]: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي..}. إلخ؛ فأقام إبراهيم عليه السّلام في فلسطين، وأقام لوط-عليه السّلام-في الأردن، فأرسله الله إلى أهل سدوم يدعوهم إلى الله، وينهاهم عن فعلهم القبيح، وهو إتيان الرجال في أدبارهم، وقد ذكرت قصة لوط بتمامها في عدة سور باختلاف يسير، وبعضها يكمل بعضا، وتتلخص: أن قوم لوط كانوا من الشر بمكان، وأنهم كانوا يقطعون السبيل على المارة، وقد ذهب الحياء من وجوههم، فلا يستقبحون قبيحا، ولا يرغبون في حسن، كما قال تعالى:{وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} وكانوا قد ابتدعوا من المنكرات ما لم يسبقهم إليه أحد من خلق الله، وذلك: أنهم كانوا يأتون الذكران من العالمين شهوة من دون النساء، يستعلنون بذلك، ولا يستسرّون، ولا يرون ذلك سوآ، أو قبيحا، وإن لوطا عليه السّلام قد وعظهم، ونصحهم، ونهاهم، وخوفهم بأس الله تعالى، فلم يأبهوا، ولم يرتدعوا، فلما ألح عليهم بالعظات، والإنذار؛ هددوه، وتوعدوه تارة بالرجم، وتارة بالإخراج من بينهم إلى أن جاء لوطا الملائكة؛ الذين ذكرهم الله في سورة (الحجر) وسورة (العنكبوت) وغيرها، وقد جاؤوا إلى لوط بهيئة غلمان مرد حسان الوجوه، فجاء أهل القرية إلى بيت لوط طالبين ضيوفه الكرام، ليفعلوا فيهم الفاحشة؛ التي اعتادوها، وقد جهد لوط في ردهم، وبالغ في ذلك حتى طلب إليهم أن يأخذوا بناته بدل ضيوفه، فلم يصغوا إليه.
حينئذ التفت لوط إلى ضيوفه الكرام، وقال لهم:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} أي: لجاهدتهم بكم، وأوقعت بهم ما يستحقون، وكان لا يعلم: أنهم ملائكة إلى ذلك الحين، وحينئذ أعلمه الملائكة بحقيقة أمرهم، وأنهم جاؤوا للتنكيل بأولئك القوم الخبثاء، ولما حاول أهل القرية أخذ أولئك المردان بالقوة، وهجموا على بيت لوط؛ طمس الله أعينهم، فلم يبصروا، ولم يهتدوا إلى مكان يقتحمون منه على لوط، وعلى من معه، كما ذكر الله في الاية التالية.
وأخرج الملائكة لوطا، وابنتيه، وزوجه من القرية، وأمروهم أن لا يلتفت منهم أحد، وأن يحضروا حيث يؤمرون، فامتثلوا الأمر إلا امرأته، فقد التفتت إلى القرية لترى ما يحل بها، وكانت خبيثة هواها مع أهل القرية دون لوط فحل بها من السخط والعذاب ما حل بهم، وكانت كافرة غير مؤمنة، فأمطر الله عليهم حجارة من سجيل، وقلبت ديار القوم، قال تعالى في سورة (هود) الاية رقم [٨٢]: {فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}. انتهى. من قصص الأنبياء للنجار بتصرف.