ثم قال-رحمه الله تعالى-: وأعتقد: أن البحر الميت المعروف الان ببحر لوط، أو بحيرة لوط لم يكن موجودا قبل هذا الحادث، وإنما حدث من الزلزال الذي جعل عالي البلاد سافلها، وصارت أخفض من سطح البحر بنحو أربعمئة متر، وقد جاءت الأخبار في السنتين الماضيتين بأنهم اكتشفوا آثار مدن لوط على حافة البحر الميت. انتهى.
يا سبحان الله! كيف زل النجار حيث عزا ما وقع في قرى قوم لوط إلى الزلزال؟! وإنما حصل ذلك بفعل جبريل عليه السّلام حيث وضع جناحه تحت القرى، ورفعها إلى السماء، ثم جعل عاليها سافلها، ولا زلزال، ولا بحر، ولا بحيرة، وكان هذا العمل الجبار الذي كان من قدرة الواحد القهار، فاعتبروا يا أولي الأبصار!.
هذا؛ ويقول ابن كثير-رحمه الله تعالى-في تفسيره: وجعل الله تعالى مكان تلك البلاد بحرة منتنة، لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها لردائتها، ودناءتها، فصارت عبرة، ومثلة، وعظة، وآية على قدرة الله تعالى، وعظمته، وعزته في انتقامه ممن خالف أمره، وكذب رسله، واتبع هواه، وعصى مولاه. انتهى. النبوة والأنبياء للصابوني.
{إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً} يعني: الحصباء، وهي الحجارة التي هي دون ملء الكف. وقد يكون (الحاصب) الرامي، فعلى هذا يكون المعنى: إنا أرسلنا عليهم عذابا يحصبهم؛ أي: يرميهم بالحجارة. انتهى. خازن. وفي القرطبي، والكشاف: ريحا ترميهم بالحصباء، وهي الحصى، قال النضر: الحاصب: الحصباء في الريح. والحاصب: الريح الشديدة التي تثير الحصباء، وكذلك الحصبة، قال لبيد-رضي الله عنه-: [الرجز] جرّت عليها أن خوت من أهلها... أذيالها كلّ عصوف حاصبه
{إِلاّ آلَ لُوطٍ} يعني: من تبعه على دينه، ولم يكن معه إلا ابنتاه. {نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ:} السحر هو ما بين آخر الليل، وطلوع الفجر، وهو مفاد قوله تعالى في سورة (هود) رقم [٨١]: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}. هذا؛ وصرف (سحر) لأنه نكرة، ولو أراد سحر يوم بعينه لما أجراه، ونظيره قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٦١]: {اِهْبِطُوا مِصْراً} لمّا نكره؛ صرفه، فلما عرّفه بقوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام الاية رقم [٩٩]:
{اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ} منعه من الصرف.
قال مكي: إنما انصرف؛ لأنه نكرة، ولو كان معرفة لم ينصرف؛ لأنه إذا كان معرفة فهو معدول عن الألف، واللام؛ إذ تعرف بغيرهما، وحق هذا الصنف أن يتعرف بهما، فلما لم يتعرف بهما صار معدولا عنهما، فثقل مع ثقل التعريف، فلم ينصرف، فإن نكر انصرف. انتهى.
خذ قول ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز] والعدل والتعريف مانعا سحر... إذا به التعيين قصدا يعتبر