الشرح:{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ:} روي: أن الصحابة رضوان الله عليهم ملّوا ملّة، فقالوا: يا رسول الله! حدثنا حديثا حسنا. فنزلت. والمعنى: أن فيه مندوحة عن سائر الأحاديث، وإنما كان القرآن أحسن الحديث لوجهين: أحدهما من جهة اللفظ، والآخر من جهة المعنى، أما الأول؛ فلأن القرآن من أفصح الكلام، وأجزله وأبلغه، وليس هو من جنس الشعر، ولا من جنس الخطب والرسائل، بل هو نوع يخالف الكل في أسلوبه، وأما الوجه الثاني، وهو كون القرآن من أحسن الحديث لأجل المعنى؛ فلأنه كتاب منزه عن التناقض والاختلاف، مشتمل على أخبار الماضين، وقصص الأولين، وعلى أخبار الغيوب الكثيرة، وعلى الوعد والوعيد والجنة والنار. انتهى. خازن.
قال أبو حيان: والابتداء باسم الله، وإسناد {نَزَّلَ} لضميره، فيه تفخيم للمنزل ورفع من قدره، كما تقول: الملك أكرم فلانا، فإنه أفخم من أكرم الملك فلانا، وحكمة ذلك البداءة بالأشرف. انتهى. صفوة التفاسير.
{كِتاباً مُتَشابِهاً} أي: قرآنا متشابها، يشبه بعضه بعضا في الفصاحة والبلاغة، والتناسب بدون تعارض، ولا تناقض، وفي تركيب النظم، وصحة المعنى، والدلالة على المنافع العامة.
{مَثانِيَ} أي: تثنى فيه وتكرر المواعظ والأحكام، والحلال والحرام، والوعد والوعيد، وتردّد فيه القصص والأخبار، والأحكام والحجج دون سأم، أو ملل، وإنما وصف الكتاب، وهو مفرد ب:{مَثانِيَ} وهو جمع؛ لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، وتفاصيل الشيء هي جملته لا غير، ألا تراك تقول: القرآن أسباع وأخماس، وسور وآيات فكذلك تقول: أقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات. ونظيره قولك: الإنسان عروق وعظام وأعصاب، إلا أنك تركت الموصوف إلى الصفة، وأصله كتابا متشابها فصولا مثاني. قاله في الكشاف.
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ..}. إلخ: اقشعرّ جلده: إذا تقبض، وتجمع من الخوف، ووقف شعره.
والمصدر: الاقشعرار، والقشعريرة أيضا، ووزن اقشعرّ: افعللّ، ووزن القشعريرة: فعلليلة، وإنما ذكرت الجلود وحدها أولا، ثم قرنت بالقلوب ثانيا؛ لأن ذكر الخشية التي محلها القلوب مستلزم لذكر القلوب، فكأنه قيل: تقشعر جلودهم، وتخشى قلوبهم في أول الأمر، فإذا ذكروا الله، وذكروا رحمته، وسعتها، استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، وبالقشعريرة لينا في جلودهم. انتهى. جمل نقلا من كرخي.