للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العارفون: إذا نظروا إلى عالم الجلال؛ طاشوا، وإن لاح لهم أثر من عالم الجمال؛ عاشوا. قال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار؛ إذا قرؤوا آيات الوعد، والوعيد، والتخويف، والتهديد؛ تقشعرّ جلودهم من الخشية والخوف، وإذا قرؤوا آيات الرحمة؛ لانت جلودهم، وقلوبهم؛ لما يرجون من رحمته، ولطفه. انتهى. وخذ ما يلي: عن العباس بن عبد المطلب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله؛ تحاتّت عنه ذنوبه، كما يتحاتّ عن الشجرة اليابسة ورقها». رواه أبو الشيخ في كتاب «الثواب»، والبيهقي.

هذا؛ وقال قتادة-رضي الله عنه-: هذا نعت أولياء الله، الذين نعتهم الله به: أنهم تقشعر جلودهم، وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، إنما ذلك في أهل البدع، وهو من الشيطان. وروي عن عبد الله بن عروة بن الزبير-رضي الله عنهم-قال:

قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنهما-: كيف كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كما نعتهم الله-عز وجل-تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم. قال عبد الله: فقلت لها: إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خرّ أحدهم مغشيا عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

وروي: أن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-مرّ برجل من أهل العراق ساقط، قال:

ما بال هذا؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن، أو سمع ذكر الله؛ سقط، فقال: إنا لنخشى الله، وما نسقط. وقال ابن عمر: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! وذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطا رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن رمى بنفسه؛ فهو صادق. وقال أبو عمران الجوني: وعظ موسى عليه السلام بني إسرائيل ذات يوم، فشق رجل قميصه، فأوحى الله إلى موسى: قل لصاحب القميص: لا يشق قميصه؛ فإني لا أحب المبذرين؛ يشرح لي عن قلبه.

وعن ثابت البناني؛ قال: قال فلان: إني لأعلم متى يستجاب لي! قالوا: ومن أين تعلم ذلك؟ قال: إذا اقشعر جلدي، ووجل قلبي، وفاضت عيناي، فذلك حين يستجاب لي. وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء-رضي الله عنها-قالت: إنما الوجل في قلب الرجل كاحتراق السعفة، أما تجد إلا قشعريرة؟ قلت: بلى! قالت: فادع الله، فإن الدعاء عند ذلك مستجاب.

قال سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-: قال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو حدثتنا! فأنزل الله عز وجل: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ..}. إلخ. فقالوا: لو قصصت علينا! فأنزل تبارك وتعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}. فقالوا: لو ذكرتنا! فأنزل الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ}. {ذلِكَ} أي: القرآن؛ الذي هو أحسن الحديث. {هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>