للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كُلُّ امْرِئٍ،} و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: بدخول. والجار والمجرور متعلقان بالفعل (يطمع). {جَنَّةَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {نَعِيمٍ} مضاف إليه، وجملة: {أَيَطْمَعُ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{كَلاّ إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)}

الشرح: {كَلاّ:} لا يدخلون جنة النعيم، فهو ردع لهم، وزجر عن طمعهم في دخولها.

{إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ} أي: من الأشياء المستقذرة: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. نبه الله الناس على أنهم خلقوا من أصل واحد، وشيء واحد، وإنما يتفاضلون بالمعرفة، ويستوجبون الجنة بالإيمان، والطاعة. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن بشر بن جحاش؛ قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبصق يوما في كفه، ووضع عليها إصبعه: يقول الله عز وجلّ: يا بن آدم! أنّى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه، حتّى إذا سوّيتك، وعدّلتك، ومشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت، ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي؛ قلت: أتصدّق، وأنى أوان الصّدقة؟! أخرجه ابن الجوزي في تفسيره بلا إسناد. انتهى. خازن.

وقال قتادة في هذه الآية: إنما خلقت يابن آدم من قذر فاتّق الله! وروي: أن مطرّف بن عبد الله ابن الشّخّير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في حلة، ويمشي الخيلاء، فقال له: يا أبا عبد الله! ما هذه المشية التي يبغضها الله، ورسوله؟ فقال له: أما تعرفني؟ قال: بلى أعرفك، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول، وعذرة، ففيم الخيلاء، وعلام التكبر؟! فبهت المهلب، وألقى حلته إلى خادمه. وقال الأحنف بن قيس: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟ وخذ قول محمود الورّاق-رحمه الله تعالى-: [المنسرح]

عجبت من معجب بصورته... وكان في الأصل نطفة مذره

وهو غدا بعد حسن صورته... يصير في اللّحد جيفة قذره

وهو على تيهه ونخوته... ما بين ثوبيه يحمل العذره

وقال آخر: [البسيط]

هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة؟ ... وهو بخمس من الأوساخ مضروب

أنف يسيل وأذن ريحها سهك... والعين مرمصة والثغر ملهوب

يابن التراب ومأكول التراب غدا... قصّر فإنك مأكول ومشروب

<<  <  ج: ص:  >  >>