{كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} كما وصفهم الله باللؤلؤ المكنون للتفنن، وذلك في سورة (الطور) رقم [٢٤] بقوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} انظر شرح هذه الآية في محلها.
وفي قوله تعالى:{حَسِبْتَهُمْ..}. إلخ، تشبيه مأخوذ من معنى حسبتهم، وهو تشبيه بديع، فقد شبه الولدان باللؤلؤ المنثور، فهو قسم من أقسام التشبيه جاءت فيه الأداة فعلا من أفعال الظن، ومثله قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [١٨]: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ،} وقوله تعالى في سورة (النمل) رقم [٤٤]: {فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً}.
الإعراب:{وَيَطُوفُ:} الواو: حرف عطف. (يطوف): فعل مضارع. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وِلْدانٌ:} فاعل (يطوف). {مُخَلَّدُونَ:} صفة {وِلْدانٌ} مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب.
{رَأَيْتَهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المشهور المرجوح. {حَسِبْتَهُمْ:} فعل ماض، وفاعله، ومفعوله الأول. {لُؤْلُؤاً:} مفعول به ثان.
{مَنْثُوراً:} صفة له، والجملة الفعلية جواب {إِذا،} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها في محل رفع صفة ثانية ل: {وِلْدانٌ،} أو هو كلام مستأنف، لا محل له.
الشرح:{وَإِذا رَأَيْتَ:} خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، أو لكل من يدخل الجنة، وحذف المفعول للتعميم. {رَأَيْتَ نَعِيماً:} النعيم: سائر ما يتنعم به. {وَمُلْكاً كَبِيراً} أي: مملكة لله هناك عظيمة، وسلطانا باهرا، وثبت في الصحيح: أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا إليها:«إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها». وفي الحديث عن ابن عمر مرفوعا:«إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة، ينظر إلى أقصاه، كما ينظر إلى أدناه». فإذا كان هذا عطاء الله تعالى لأدنى أهل الجنة، فما ظنك بمن هو أعلى منزلة، وأحظى عنده تعالى؟ وقال سفيان الثوري-رحمه الله تعالى-: بلغنا: أن الملك الكبير هو تسليم الملائكة عليهم. وقيل: كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رؤوس الملوك في الدنيا، وأعظمهم منزلة من ينظر إلى وجه ربه كلّ يوم. هذا؛ و {ثَمَّ} هنا بفتح الثاء ظرف مكان، وهي بخلاف «ثمّ» بضم الثاء، انظر الآية رقم [٣٢] من سورة (الحاقة). والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
تنبيه: ذكر السيوطي في: «أسباب النزول» فقال: وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: دخل عمر على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو راقد على حصير من جريد؛ وقد أثر في جنبه، فبكى عمر-رضي الله عنه-فقال:«ما يبكيك»؟! قال: ذكرت كسرى، وملكه، وهرمز، وملكه، وصاحب الحبشة، وملكه، وأنت رسول الله تنام على حصير من جريد! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضى أنّ لهم