وهل ينعمن إلاّ سعيد مخلّد... قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وقال سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: {مُخَلَّدُونَ} مقرّطون، والخلد: القرط، وهو الحلقة تعلق في الأذن. قال الشاعر:[الطويل]
ومخلّدات بالّجين كأنّما... أعجازهنّ أقاوز الكثبان
فهم على سن واحدة أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون كما شاؤوا من غير ولادة. وقال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-والحسن البصري: الولدان هاهنا ولدان المسلمين؛ الذين يموتون صغارا، ولا حسنة لهم ولا سيئة. وقال سلمان الفارسي-رضي الله عنه-: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة. وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: لم يكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا هذا الموضع. والمقصود: أن أهل الجنة على أتم السرور، والنعمة، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم، والولدان بالإنسان.
أقول: ما نسب إلى علي، والحسن ضعيف جدا؛ لأن أولاد المسلمين الصغار، يكونون مع آبائهم، وأمهاتهم، وهو من جملة السرور، بل من أعظم السرور اجتماعهم بهم. قال تعالى في سورة (الطور) رقم [٢١]: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وتشبهها آية (الرعد) رقم [٢٣] ولأن من المؤمنين من لا ولد له، فلو خدمه ولد غيره كان منقصة بأبي الخادم، وقول سلمان الفارسي أولى بالاعتبار؛ لأنه قد اختلف في أولاد المشركين على ثلاثة مذاهب، فقال الأكثرون: هم في النار تبعا لآبائهم، وتوقف فيهم طائفة، والمذهب الثالث، (وهو الصحيح) الذي ذهب إليه المحققون: أنهم من أهل الجنة. ولكل مذهب دليل ليس هنا موضعه. وقال الخازن في سورة (الواقعة): والصحيح الذي لا معدل عنه إن شاء الله تعالى: أنهم ولدان خلقوا في الجنة لخدمة أهل الجنة كالحور العين، ولم يولدوا، ولم يخلقوا عن ولادة. ولا بأس به!.
{إِذا رَأَيْتَهُمْ} أي: أبصرتهم. {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} أي: ظننتهم من حسنهم، وكثرتهم، وصفاء ألوانهم لؤلؤا في مجالسهم، ومنازلهم، شبهوا باللؤلؤ المنثور هنا وهناك، واللؤلؤ إذا نثر بساطا، كان أحسن منه منظوما. وعن المأمون العباسي: أنه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل، وهو على بساط منسوج من ذهب، وقد نثرت عليه نساء دار الخلافة اللؤلؤ، فنظر إليه منثورا على ذلك البساط، فاستحسن المنظر. وقال: لله در أبي نواس، كأنه أبصر هذا؛ حيث قال:[البسيط]
كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها... حصباء درّ على أرض من الذّهب
وقيل: شبهوا باللؤلؤ الرطب؛ إذا نثر من صدفه؛ لأنه أحسن، وأكثر رواء. وقيل: إنما شبهوا بالمنثور؛ لأنهم سراع في الخدمة، بخلاف الحور العين؛ إذ شبههن الله باللؤلؤ المكنون المخزون؛ لأنهن لا يمتهن بالخدمة، وذلك بقوله تعالى في سورة (الواقعة): {وَحُورٌ عِينٌ}(٢٢)