للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الخازن: فإن قلت: إن المشركين أعظم جناية من أهل الكتاب؛ لأن المشركين أنكروا الصانع، والنبوة، والقيام، وأهل الكتاب اعترفوا بذلك غير أنهم أنكروا نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وإذا كان كذلك؛ كان كفرهم أخفّ. فلم سوّى بين الفريقين في العذاب؟! قلت: لما أراد أهل الكتاب الرفعة في الدنيا بإنكارهم نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ أذلهم الله في الدنيا، وأدخلهم أسفل سافلين في الآخرة، ولا يمنع من دخولهم النار مع المشركين أن تتفاوت مراتبهم في العذاب. انتهى.

{فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} أي: هم شر الخلق. والمعنى: أنهم لما استحقوا النار بسبب كفرهم. قالوا: فهل إلى خروج من سبيل؟ فقال لهم: بل تبقون خالدين فيها، فكأنهم قالوا: لم ذلك؟ قال: لأنكم شر البرية.

هذا؛ وانظر شرح {خَيْرُ} و {شَرُّ} في سورة (الضحى) رقم [٤]. هذا؛ والبرية: الخلق، والجمع: البرايا، وفيها لغتان: الهمز: (البريئة) وتركه: (البرية) فمن همزها أخذها من: برأ الله الخلق؛ أي: خلقهم، فبنى «فعيلة» من ذلك، وهي بمعنى مفعولة، ومن لم يهمزها؛ كان له مذهبان: أحدهما: أن يقول: هي «فعيلة» من بريت، أبري، والثاني أن يقول: هي «فعيلة» من:

برأ الله الخلق، بنيت على ترك الهمز. كما بنيت الخابية على ذلك، وهي من: خبأت. هذا؛ وقرأ نافع بالهمز في هذه السورة اللفظين، والقراءة بترك الهمز وتشديد الياء نشأت من قلب الهمزة ياء، وإدغامها في الياء الساكنة.

فائدة:

لم يقل جل ذكره في هذه الآية: {خالِدِينَ فِيها أَبَداً} كما قال بعد في صفة أهل الثواب؛ لأن رحمة الله أزيد من غضبه، فلم يتفق الخلودان في الأبدية، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسمها. {كَفَرُوا:} فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف. التقدير: كفروا بالله، وبرسوله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {مِنْ أَهْلِ:} متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، و {أَهْلِ:}

مضاف، و {الْكِتابِ:} مضاف إليه. {وَالْمُشْرِكِينَ:} الواو: حرف عطف. (المشركين): معطوف على ما قبله. وقيل: معطوف على اسم {إِنَّ}. {فِي نارِ:} متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، و {نارِ:} مضاف، و {جَهَنَّمَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {خالِدِينَ:}

حال من واو الجماعة منصوب... إلخ. وقال أبو البقاء: حال من الضمير في الخبر. {فِيها:}

جار ومجرور متعلقان ب‍: {خالِدِينَ،} وفاعله مستتر فيه. {أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ أول، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {هُمْ شَرُّ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، و {شَرُّ:} مضاف، و {الْبَرِيَّةِ:} مضاف إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>