للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب‍ {مُسْتَقَرٌّ} بعدهما الذي هو مبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها، وقيل: مستأنفة، والعطف أقوى. {وَمَتاعٌ:} معطوف على ما قبله عطف مفرد على مفرد {إِلى حِينٍ:} متعلقان ب‍ ({مَتاعٌ})، أو صفة له، التقدير: ممتدّ إلى حين.

{فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)}

الشرح: {فَتَلَقّى..}. إلخ، استقبلها بالأخذ، والقبول، والعمل بها، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتلقّى الوحي؛ أي: يستقبله، ويأخذه، ويعمل به. هذا؛ وقرئ بنصب («آدم») ورفع («كلمات») والمعنى لا يتغير؛ لأنّ ما تلقيته فقد تلقّاك، وما تلقّاك فقد تلقّيته، ومثل هذه الآية بالقراءتين قوله تعالى في الآية رقم [١٢٤] الآتية: {قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} حيث يقرأ بالواو أيضا، والمعنى واحد؛ لأنّ ما نلته فقد نالك، وما نالك فقد نلته. واختلف في الكلمات التي تلقاها آدم، فقال ابن عباس، والحسن البصريّ، وسعيد بن جبير، والضّحاك، ومجاهد-رضي الله عنهم-: هي قوله تعالى: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} الآية رقم [٢٣] من سورة (الأعراف)، وقيل غير ذلك.

{فَتابَ عَلَيْهِ} أي: قبل توبته، ووفّقه للتوبة، وكان ذلك في يوم عاشوراء في يوم الجمعة، فعن أبي لبابة بن عبد المنذر-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن يوم الجمعة سيّد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى، ويوم الفطر، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه؛ ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرّب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهنّ يشفقن من يوم الجمعة»، رواه الإمام أحمد، وغيره.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: إن قيل: لم قال: {عَلَيْهِ} ولم يقل: عليهما، وحواء مشاركة في الذنب بإجماع، وقد قال: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} و {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا؟} فالجواب: أن آدم عليه السّلام لمّا خوطب في أول القصّة بقوله تعالى: {اُسْكُنْ} خصّه بالذكر في التلقّي، فلذلك كملت القصّة بذكره وحده، وأيضا: فلأن المرأة حرمة مستورة، فأراد الله الستر لها، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله تعالى في سورة (طه) رقم [١٢١]: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} وأيضا: لما كانت المرأة تابعة للرّجل في غالب الأمر لم تذكر، ولذا طوى ذكر النّساء في كثير من الآيات القرآنية، وأحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، بينما ذكر مشاركة حواء لآدم في الدعاء والتوبة في سورة (الأعراف)، وغيرها.

{إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ} وصف الله نفسه بأنه التّواب، وتكرّر هذا اللفظ في القرآن معرّفا، ومنكرا، واسما، وفعلا، وقد يطلق على العبد أيضا: تواب، قال تعالى في الآية الآتية رقم

<<  <  ج: ص:  >  >>