الثالث: أن (ما) حرف نفي، يعني: أنه نفى شعورهم بذلك، وعلى هذا فليطلب ل:{يُشْعِرُكُمْ} فاعل، فقيل: هو ضمير الله تعالى، أضمر للدلالة عليه. انتهى. وهذا كلام مستأنف من جهته تعالى لبيان الحكمة الداعية إلى ما أشعر به الجواب السابق، من عدم مجيء الآيات، خوطب به المسلمون فقط، أو مع النبي انتهى جمل نقلا عن السمين، وعن أبي السعود.
أقول: وعلى قراءة فتح الهمزة تؤول مع مدخولها بمصدر، وهذا المصدر في محل جر بحرف جر محذوف. قال ابن هشام: وقال قوم: (أنّ) مؤكدة، والكلام فيمن حكم بكفرهم، ويئس من إيمانهم، والآية عذر للمؤمنين؛ أي: أنكم معذورون؛ لأنكم لا تعلمون ما سبق به القضاء من أنهم لا يؤمنون حينئذ.
وقيل: التقدير: لأنهم، واللام متعلقة بمحذوف، أي: لأنهم لا يؤمنون امتنعنا من الإتيان بها، ونظيره قوله تعالى:{وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}. واختاره الفارسي. واعلم أن مفعول:{يُشْعِرُكُمْ} الثاني على هذا القول، وعلى القول بأنها بمعنى:«لعل» محذوف، أي: إيمانهم. وعلى بقية الأقوال (أنّ) وصلتها. انتهى مغنى بتصرف. وقد أطلت عليك الكلام حبّا في الإفادة. تأمل، وربك أعلم.
الشرح:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يعني: ونحول بينهم وبين الإيمان. إذ التقليب تحويل الشيء، وتحريكه عن وجهه إلى وجه آخر؛ لأن الله تعالى إذا صرف القلوب، والأبصار عن الإيمان بقيت على الكفر. وانظر الآية رقم [٢/ ١٤٤]. هذا؛ والأفئدة هي القلوب. {كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ:} والمعنى: يصرفون عن التوحيد، والإيمان، كما صرفوا عن التصديق بالآيات التي رأوها أولا مثل انشقاق القمر ونحوه. إذا المراد بالآيات:
المعجزات التي اقترحوها على الرسول صلّى الله عليه وسلّم. {وَنَذَرُهُمْ:} نتركهم. وانظر الآية رقم [٧/ ٧٠].
{يَعْمَهُونَ:} يتحيرون، ويترددون، والعمه: التحير، والتردد، وهو قريب من العمى، لكن العمى يطلق على ذهاب نور العين، وعلى الخطأ في الرأي، والعمه لا يطلق إلا على الثاني. وانظر (نا) في الآية رقم [٥/ ٣٢] والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب:(نقلب): مضارع، والفاعل تقديره:«نحن»، ويقرأ بياء المضارعة فيكون تقدير الفاعل هو يعود إلى (الله)، ويقرأ بتاء المضارع المضمومة على أنه مبني للمجهول، ورفع