وينبغي أن تعلم: أن الفعل: {يَسْتَوِي} من الأفعال التي لا يكتفى فيها بواحد، فلو قلت:
استوى زيد لم يصح فمن ثمّ لزم العطف على الفاعل، أو تعدده. هذا؛ ولا تنس المطابقة، والمقابلة بين الضدين في الآيات الأربع، وهي من المحسنات البديعية. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٥٨] من سورة (غافر) إن أردت الزيادة.
الإعراب:{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يَسْتَوِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء. {الْأَعْمى:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَالْبَصِيرُ:} معطوف على ما قبله. {وَلا:}
الواو: حرف عطف. (لا): صلة. {الظُّلُماتُ:} معطوف على ما قبله. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): صلة. {النُّورُ:} معطوف على ما قبله، وأيضا {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} معطوفان على ما قبلهما.
قال الجلال-رحمه الله تعالى-: وزيادة (لا) في الثلاثة تأكيد. قال الجمل: وقد زيدت في الآيات الثلاث خمس مرات: اثنتين في الأولى، واثنتين في الثانية، وواحدة في الثالثة، والكل لتأكيد نفي الاستواء. وقال ابن هشام في المغني: ف: (لا) الثانية، والرابعة، والخامسة زوائد لأمن اللبس. وقال الزمخشري: فإن قلت: هل من فرق بين هذه الواوات، قلت: بعضها ضمت شفعا إلى شفع، وبعضها وترا إلى وتر. انتهى.
الشرح:{وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ:} تمثيل آخر للمؤمنين، والكافرين أبلغ من الأول، ولذلك كرر الفعل. وقيل: للعلماء، والجهلاء. {إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ:} هدايته، فيوفقه لفهم آياته، والاتعاظ بعظاته. {وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي: الكفار شبههم الله بالأموات في القبور؛ لأنهم لا يجيبون إذا دعوا.
هذا؛ وقد قال ابن كثير: كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة، كالأعمى، والبصير لا يستويان؛ بل بينهما فرق وبون كثير، وكما لا تستوي الظلمات ولا النور، ولا الظلّ، ولا الحرور، كذلك لا تستوي الأحياء، ولا الأموات. وهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمنين، وهم الأحياء، وللكافرين وهم الأموات، كقوله تعالى:{أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها} الآية رقم [١٢٢] من سورة (الأنعام)، وقال عز وجل:{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} الآية رقم [٢٤] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.