فالمؤمن سميع بصير في نور، يمشي على صراط مستقيم في الدنيا، والآخرة؛ حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال، والعيون، والكافر أعمى، وأصم في ظلمات يمشي فيها، لا خروج له منها؛ بل هو يتيه في غيه، وضلاله في الدنيا، والآخرة؛ حتى يفضي به ذلك إلى الحرور، والسموم، والحميم. انتهى. بتصرف.
تنبيه: المراد في الآية الكريمة تشبيه الكفار بالمدفونين في القبور بعدم الانتفاع فيما يقال لهم، لا أنهم لا يسمعون أبدا؛ بل يسمعون، ولكنهم لا يقدرون على الجواب، كيف لا؟ والرسول صلّى الله عليه وسلّم قد خاطب قتلى بدر من المشركين، وناداهم بأسمائهم:«يا فلان بن فلان! ويا فلان بن فلان! هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا» فقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: يا رسول الله! كيف تكلم أجسادا، لا أرواح فيها؟! فقال:«والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا شيئا». وفي رواية:
«يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون». وقد ثبت: أن للروح تعلقا بالجسد بعد الدفن، أو بموضع الدفن بعد فناء الجسد، لذا علمنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا أتينا المقبرة أن نقول:«السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله العفو لنا، ولكم، ولجميع المسلمين». وليقرأ الفاتحة، والأحاديث الصحيحة الواردة في سؤال القبر تؤكد هذه الحقيقة.
والله أعلم، وأجل، وأكرم.
الإعراب:{وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ:} إعراب هذه الكلمات مثل الآية رقم [١٩] بلا فارق.
{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {يُسْمِعُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ}. {مَنْ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: يسمع الذي، أو: شخصا يشاء الله إسماعه، والجملة الفعلية في محل رفع خبر:{إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ اللهَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية حجازية، تعمل عمل:«ليس». {أَنْتَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع اسم (ما). {بِمُسْمِعٍ:} الباء: حرف جر صلة. (مسمع):
خبر (ما) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائدة. هذا؛ وإن اعتبرت (ما) مهملة تميمية، فالضمير مبتدأ، و (مسمع) خبره، زيدت الباء فيه، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا، تقديره:«أنت». {مَنْ:} مفعول به ل: (مسمع). {فِي الْقُبُورِ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول {مَنْ،} والجملة الاسمية: {وَما أَنْتَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. واعتبارها حالا من لفظ الجلالة لا بأس به، ويكون الرابط: الواو فقط.