للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلّى الله عليه وسلّم أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم اليهودية شاة مشوية، وسألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السمّ وسمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها على سبيل الهدية، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تناول الذراع، فأخذها، فلاك منها قطعة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، فأخذ منها، كما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأما بشر فأساغها-أي: ابتلعها-، وأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلفظها، وقال: إن هذا العظم ليخبرني: أنه مسموم، ثم دعا بالمرأة، فاعترفت، فقال: «ما حملك على ذلك؟».

فقالت: بلغت من قومي ما لا يخفى عليك، فقلت: إن كان ملكا؛ استرحنا منه، وإن كان نبيا يخبره ربه. فتجاوز عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومات بشر-رضي الله عنه-.

هذا؛ وفي زيني دحلان روايتان: إحداهما تقول: إن المرأة أسلمت، وعفا عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والثانية تقول: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم دفع المرأة لأولياء بشر، رضي الله عنه، فقتلوها به قصاصا، والرواية الأولى أولى بالاعتبار؛ لأنّ إسلامها يحقن دمها، والإسلام يجبّ ما قبله.

ويروي: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول لأم بشر: «يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر؛ التي أكلت مع ابنك تعاودني، فهذا أوان انقطاع أبهري». فكان المسلمون يرون: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوة.

ثم قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غنائم خيبر، فأعطى الراجل سهما، والفارس ثلاثة أسهم، بعد أن خمسها خمسة أجزاء، كما فعل بغنائم بدر، انظر الاية رقم [٤١] من سورة (الأنفال) والغنائم تشمل المنقول، والأموال، والعبيد، أما الأرض فتركها لأهلها يعملون فيها بشطر ما يخرج منها من ثمر، أو زرع، وقال لهم: «إنا إذا شئنا أن نخرجكم منها؛ أخرجناكم». ثم استمروا على ذلك إلى خلافة عمر-رضي الله عنه-، فوقعت منهم خيانة وغدر ببعض المسلمين، فأجلاهم إلى الشام بعد أن استشار الصحابة-رضي الله عنهم-في ذلك، والله أعلم.

الإعراب: {وَمَغانِمَ:} الواو: حرف عطف. (مغانم): معطوف على: {فَتْحاً قَرِيباً}. وقال أبو البقاء: مفعول به لفعل محذوف دلّ عليه ما قبله، وقال القرطبي: بدل من: {فَتْحاً قَرِيباً،} والواو مقحمة، وليس بشيء. {كَثِيرَةً:} صفة: (مغانم). {يَأْخُذُونَها:} مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، و (ها): مفعوله، والجملة الفعلية صفة (مغانم)، أو في محل نصب حال منها بعد وصفها بما تقدم، وجملة: {وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} مستأنفة، وإعرابها واضح لا خفاء به.

{وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠)}

الشرح: {وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها:} هي المغانم التي تغنمونها من الفتوحات؛ التي تفتح لكم إلى يوم القيامة. وهذا وعد من العزيز العليم، وقد حقق وعده، وأنجز عهده حين

<<  <  ج: ص:  >  >>