للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التبذير، والصرف في المعاصي، فقد كانوا ينحرون الإبل، ويقامرون بلحومها، ويبذلون أموالهم في حب السمعة، والشهرة، ويتباهون، ويتفاخرون في السخاء، والكرم، كما حصل لجد الفرزدق، ولمن باراه في ذلك. هذا؛ و (الإخوان) هنا جمع: أخ من غير النسب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}. {وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} أي: جاحدا فضل الله تعالى، مبالغا في الكفر، فلا ينبغي أن يطاع؛ لأنه يدعو إلى مثل عمله.

تنبيه: الإسراف، والتبذير يجريان في إنفاق المال في غير حق، وفي كل شيء خرج عن حد الطاعة، والقدرة، والحاجة من طعام، وشراب، ولباس وغير ذلك، فعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال لسعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-وهو يتوضأ: ما هذا السرف؟ فقال: أوفي الوضوء سرف؟ قال: نعم؛ وإن كنت على نهر جار.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْمُبَذِّرِينَ:} اسم {إِنَّ} منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {كانُوا:}

ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق. {إِخْوانَ:} خبر (كان) وهو مضاف، و {الشَّياطِينِ} مضاف إليه، وجملة: {كانُوا..}. إلخ في محل رفع خبر {إِنَّ} والجملة الاسمية: {إِنَّ..}. إلخ تعليل للنهي، لا محل لها. {وَكانَ:} الواو: حرف عطف. (كان): ماض ناقص. {الشَّيْطانُ:}

اسم (كان). {لِرَبِّهِ:} متعلقان بما بعدهما، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {كَفُوراً:} خبر (كان)، والجملة الفعلية: {وَكانَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها فهي في محل رفع مثلها، أو هي مستأنفة، لا محل لها، وهو الأقوى فيما يظهر. تأمل.

{وَإِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ اِبْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨)}

الشرح: في الآية الكريمة خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيها تأديب عجيب، وقول لطيف بديع؛ إذ المعنى: لا تعرض عن السائلين من ذوي القربى، والمساكين، وأبناء السبيل إعراض مستهين بهم عن ظهر الغنى، والقدرة، فتحرمهم، وإنما يجوز أن تعرض عنهم عند عجز يعرض، وفقر يعوق، وأنت من ذلك ترجو من الله-سبحانه، وتعالى-فتح أبواب الخير؛ لتتوصل به إلى مواساتهم، وإعطائهم، فإن لم تجد فقل لهم قولا لينا جميلا، وعدهم وعدا تطيب به نفوسهم، وادع لهم دعاء تنشرح به صدورهم، مثل: أغناكم الله ورزقنا الله وإياكم، وآية البقرة رقم [٢٦٣] فيها هذا الأدب، والقول اللطيف البديع إذا ألح السائل بالسؤال، وهي: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً} ولقد أحسن من قال: [البسيط]

إلاّ يكن ورق يوما أجود بها... للسّائلين فإنّي ليّن العود

لا يعدم السائلون الخير من خلقي... إمّا نوالي وإمّا حسن مردودي

<<  <  ج: ص:  >  >>