للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد لولا التحضيضية. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:} إعرابها واضح، وجواب الشرط في الجملتين محذوف لدلالة الكلام عليه، التقدير: إن كنتم غير مدينين إن كنتم صادقين فهلا ترجعونها؛ أي: الروح.

وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} ليس من اعتراض الشرط على الشرط-نحو: إن ركبت، إن لبست، فأنت طالق-حتى يجيء فيه ما قدمته في هذه المسألة؛ لأن المراد هنا إن وجد الشرطان كيف كانا؛ فهلا رجعتم بنفس الميت. انتهى. جمل نقلا عن السمين. هذا؛ وسها القرطبي -رحمه الله تعالى-حيث اعتبر (إذا) أحد الشرطين، واعتبر جملة: {تَرْجِعُونَها} جوابا لهما، وعزاه للفراء، وقال: وربما أعادت العرب الحرفين، ومعناهما واحد، ومنه: قوله تعالى: {فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} الاية رقم [٣٨] من سورة (البقرة).

ولا وجه لاستشهاده بهذه الاية، ولو استشهد بقوله تعالى في سورة (هود) الاية رقم [٣٤]: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. وبقوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها..}. إلخ الاية رقم [٥٠] من سورة (الأحزاب) فلا وجه له أيضا. انظر شرح الايتين وإعرابهما في محلهما، وخذ قول الشاعر، وهو الشاهد رقم [١٠٤١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط] إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا... منّا معاقل عزّ زانها كرم

{فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١)}

الشرح: عود على بدء، لقد ذكر الله تعالى في مطلع هذه السورة: أن الناس يوم القيامة يكونون أزواجا ثلاثة {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ..}. إلخ، وذكر الله عز وجل هنا أحوالهم عند الموت، وما يبشرون به كل حسب ما يستحق من الجزاء، والجزاء من جنس العمل، فقال جلت قدرته وتعالت حكمته: {فَأَمّا إِنْ كانَ} أي: الذي حضره الموت. {مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} يعني:

السابقين إلى الطاعات، وهم الذين فعلوا الواجبات، والمستحبات، وتركوا المحرمات، والمكروهات، وبعض المباحات ابتغاء وجه رب الأرض، والسموات. {فَرَوْحٌ} أي: فلهم روح، وهو الراحة، {وَرَيْحانٌ} أي: وله استراحة، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، فتقول:

أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب، كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان. وجملة القول: فإن من مات مقربا؛ حصل له الرحمة، والراحة، والاستراحة، والفرح، والسرور، والرزق الحسن. {وَجَنَّةُ نَعِيمٍ:} قال أبو العالية: لا يفارق أحد روحه من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة، فيقبض روحه فيه. وقال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-: لا يموت أحد من الناس حتى يعلم: من أهل الجنة هو، أم من أهل النار؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>