للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وروى الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-عن عبد الرحمن بن أبي ليلى-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «من أحبّ لقاء الله؛ أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه». قال: فأكب القوم يبكون، فقال: «ما يبكيكم؟». فقالوا: إنا نكره الموت.

قال: «ليس ذلك، ولكنه إذا احتضر {فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} فإذا بشر بذلك؛ أحب لقاء الله، والله عز وجل للقائه أحبّ {وَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} فإذا بشر بذلك كره لقاء الله؛ والله تعالى للقائه أكره». وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه» فقلت: يا رسول الله! أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت! قال:

«ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بشّر برحمة الله، ورضوانه، وجنّته؛ أحبّ لقاء الله، فأحبّ الله لقاءه، وإنّ الكافر إذا بشّر بعذاب الله، وسخطه؛ كره لقاء الله، فكره الله لقاءه». رواه البخاري ومسلم، وغيرهما.

{وَأَمّا إِنْ كانَ} أي: المحتضر. {مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ:} وهم المذكورون في الاية رقم [٢٧] وما بعدها. {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ} أي: تبشرهم ملائكة الرحمة بذلك. تقول لأحدهم:

سلام لك. أي: لا بأس عليك أنت إلى سلامة، أنت من أصحاب اليمين، وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: سلم من عذاب الله، وسلّمت عليه ملائكة الله. ويكون ذلك كقوله تعالى في سورة (فصلت): {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} الاية رقم [٣٠].

هذا؛ و (سلام) اسم مصدر لا مصدر؛ لأن المصدر: تسليم؛ لأن الفعل سلّم، يسلّم بتشديد اللام فيهما. وقيل: هو مصدر على حذف الزوائد، ومثله: عذاب، وعطاء، ونبات، من:

عذب، وأعطى، وأنبت، و {أَصْحابِ} جمع: صاحب، ويكون بمعنى: المالك، كما في قولك:

صاحب الدار، وصاحب المال، ونحوه. ويكون بمعنى الصديق، ويجمع أيضا على: صحب، وصحاب، وصحابة، وصحبة، وصحبان. ثم يجمع (أصحاب) على: أصاحيب أيضا، ثم يخفف، فيقال: أصاحب، ولا تنس: أن الصحابي من اجتمع مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو ساعة وهو مؤمن، فالإيمان شرط لتسميته صحابيا، فإن اجتمع به؛ وهو غير مؤمن؛ لا يقال عنه: صحابي؛ وإن آمن بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، كالذي حصل من كعب الأحبار، وأمثاله.

الإعراب: {فَأَمّا:} (الفاء): حرف استئناف. (أمّا): أداة شرط، وتفصيل وتوكيد، أما كونها أداة شرط؛ فلأنها قائمة مقام الشرط، وفعله، بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل: مهما يك من شيء؛ فللمقربين روح، وريحان، فأنيبت (أمّا) مناب: «مهما يك من شيء». فصار: (أما إن كان...) إلخ، وأما كونها أداة تفصيل؛ فلأنها في الغالب مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله.

<<  <  ج: ص:  >  >>