للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في قوله تعالى في الآية رقم [٣٨] الآتية حكاية عن قول زكريا-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}. قيل: هي مشتقة من الذّرا بفتح الذال، وهو كل ما استذريت به، يقال: أنا في ظلّ فلان، وفي ذراه؛ أي: في كنفه، وستره، وتحت حمايته. وهي بضم الذال أعلى الشيء. وقيل: هي مشتقة من الذّرء، وهو الخلق. قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} رقم [٢٤] من سورة (الملك) وقال تعالى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} رقم [١١] من سورة (الشورى) فأبدلت همزة الذرء ياء، ثم شدّدت الياء، وتبعتها الراء في التّشديد.

{بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ} يعني: إن الآلين ذرية واحدة متشعبة بعضها من بعض، تناصرت على الحق، وقيل: متسلسلة في الاجتباء، والاصطفاء، والنبوة. {وَاللهُ سَمِيعٌ:} لأقوال الناس.

{عَلِيمٌ:} بأفعالهم، فيصطفى، ويختار من كان مستقيم القول، والعمل، أو هو سميع بقول امرأة عمران، عليم بنيتها.

الإعراب: {ذُرِّيَّةً:} بدل من (نوح) وما بعده. وقيل: بدل من الآلين فقط، أو هو حال من:

(آدم) وما عطف عليه. قاله الأخفش، ومكي: والعامل فيه: {اِصْطَفى}. {بَعْضُها:} مبتدأ، وها في محل جر بالإضافة. {مِنْ بَعْضٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب صفة: {ذُرِّيَّةً} ({اللهُ}) مبتدأ، {سَمِيعٌ عَلِيمٌ:} خبران ل‍ ({اللهُ}). والجملة الاسمية معترضة في آخر الكلام، فهي مؤكدة لمعنى الكلام السابق.

{إِذْ قالَتِ اِمْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)}

الشرح: {إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ:} اسمها حنة بنت فاقوذ بن قنبل أم مريم جدّة عيسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. و {عِمْرانَ} أبو مريم لم يكن نبيّا، وكذا أبو موسى لم يكن نبيّا أيضا. {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} قيل: إن سبب نذرها هذا: أنّها كانت كبيرة لا تلد، وكانوا أهل بيت من الله بمكان، وأنّها كانت تحت شجرة، فبصرت بطائر يزقّ فرخا له، فتحرّكت نفسها لذلك، ودعت ربّها أن يهب لها ولدا، ونذرت: إن ولدت؛ أن تجعل ولدها محرّرا، أي: حقيقا خالصا لله تعالى، خادما للكنيسة، حبيسا عليها، مفرغا لعبادة الله تعالى.

وكان ذلك جائزا في شريعتهم، وكان على أولادهم أن يطيعوهم، فكان المحرّر عندهم إذا حرّر جعل في الكنيسة يخدمها، ولا يبرح مقيما فيها حتى يبلغ الحلم، ثم يخيّر، فإن اختار الإقامة فيها؛ لا يجوز له بعد ذلك الخروج منها، وإن أبى؛ ذهب حيث شاء، ولم يكن أحد من أنبياء بني إسرائيل، وعلمائهم إلا ومن أولاده من هو محرّر لخدمة بيت المقدس، ولم يكن يحرّر إلا الذكور، ولا تصلح الجارية لخدمة بيت المقدس، لما يصيبها من الحيض، والأذى، فحرّرت

<<  <  ج: ص:  >  >>