للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو: جاء زيد أمس راكبا. وهناك الحال الموطئة، وهي التي تذكر توطئة للصفة بعدها، بمعنى أن المقصود الصفة، وهذا كثير في القرآن الكريم، خذ قوله تعالى: {وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ}. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٨٣] من سورة (الشعراء) ففيها بحث آخر.

{قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)}

الشرح: {قُلْ:} خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي} أي: ما يصنع وما يفعل بكم؛ فوجودكم وعدمكم سواء. انتهى. خازن. وقال القرطبي: هذه آية مشكلة تعلقت بها الملاحدة، يقال: ما عبأت بفلان؛ أي: ما باليت به، أي ما كان له عندي وزن، ولا قدر. وأصل يعبأ من العبء، وهو الثقل، قال أبو زبيد الطائي، يصف أسدا: [الوافر]

كأنّ بصدره وبجانبيه... عبيرا بات يعبؤه عروس

أي: يجعل بعضه على بعض، فالعبء: الحمل الثقيل، والجمع: أعباء، و «العبء» المصدر.

وقال الزمخشري: لما وصف عبادة العباد، وعدّد صالحاتهم وحسناتهم، وأثنى عليهم من أجلها، ووعدهم الرفع من درجاتهم في الجنة؛ أتبع ذلك ببيان: أنه إنما اكترث لأولئك، وعبأ بهم، وأعلى ذكرهم، ووعدهم ما وعدهم؛ لأجل عبادتهم، فأمر رسوله أن يصرح للناس، ويجزم لهم القول بأن الاكتراث لهم عند ربهم، إنما هو للعبادة وحدها، لا لمعنى آخر، ولولا عبادتهم لم يكترث لهم البتة، ولم يعتد بهم، ولم يكونوا عنده شيئا يبالي به. انتهى. وهو جيد جيد جدا.

{لَوْلا دُعاؤُكُمْ:} لولا عبادتكم، فإن شرف الإنسان، وكرامته بالمعرفة والطاعة، وإلا فهو وسائر الحيوانات سواء، وقيل: معناه: ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة، فيكون كقوله تعالى في الآية رقم [١٤٧] من سورة (النساء): {ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}.

{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} أي: بما أخبرتكم حيث خالفتموه، وإذا كان الخطاب لمشركي قريش؛ فيكون في الكلام التفات من خطاب المؤمنين الصادقين إلى خطاب المشركين المعاندين، وهذا على رأي الزمخشري. وإذا كان الخطاب في الأول، والثاني لكفار قريش، فلا التفات في الكلام.

{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} أي: يكون جزاء التكذيب-وهو العذاب-لازما لكم، يحيق بكم لا محالة، أو أثره لازما لكم؛ حتى يكبكم في النار، واللّزام بالفتح: اللزوم، وبكسر اللام:

الملازمة، وقد قرئ بفتح اللام، وكسرها، كالثبات، والثبوت، وقد فسر بالعذاب في الآخرة، وفسر بالقتل يوم بدر. ولزام على القراءتين مصدر، وقد وقع على القراءتين موقع اسم الفاعل، فعلى الكسر وقع موقع ملازم، وعلى الفتح وقع موقع لازم، فيكون مثل قوله تعالى في آخر سورة (الملك): {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً} أي: غائرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>