سورة (الطارق) مكية على قول الجميع، وهي سبع عشرة آية، وإحدى وستون كلمة، ومئئان وتسعة وثلاثون حرفا. روى النسائي عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: صلى معاذ بن جبل المغرب، فقرأ:(البقرة) و (النساء)، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«أفتّان أنت يا معاذ؟ ما كان يكفيك أن تقرأ ب:{وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ،} و {وَالشَّمْسِ وَضُحاها،} ونحوها؟!». رواه النسائي، فمعاذ-رضي الله عنه- صلى المغرب إماما في مسجد حيّه، فقرأ السورتين الكريمتين فشكاه المصلون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له ما قال، أما مسلمو هذا الزمن؛ فإنهم لو صلى إمامهم وقرأ ب:{وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ} ونحوها، فإنهم يملون ويضجرون. وهذا واقع، ومشاهد في هذا الزمن.
الشرح:{وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ:} أقسم الله بهما. انظر السورة السابقة؛ ففيها الكفاية. هذا؛ و (الطارق): النجم، واختلف فيه، فقيل: هو زحل الكوكب الذي في السماء السابعة. ذكره محمد بن الحسن في تفسيره، وذكر له أخبارا؛ الله أعلم بصحتها. وقال ابن زيد: هو الثريا.
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-هو الجدي، وعنه أيضا، وعن علي-رضي الله عنهما-:
{النَّجْمُ الثّاقِبُ} نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم، فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء، هبط فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، وهو زحل، فهو طارق حين ينزل، وطارق حين يصعد.
وروى أبو صالح عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعدا مع أبي طالب، فانحط نجم، فامتلأت الأرض نورا، ففزع أبو طالب. وقال: أيّ شيء هذا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم:
«هذا نجم رمي به، وهو آية من آيات الله». فعجب أبو طالب، ونزل:{وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ}. وكل من أتاك ليلا فهو طارق. قال امرؤ القيس في معلقته رقم [٢٣] -وهو الشاهد رقم [٤٨٠] من كتابنا:
«فتح رب البرية» -: [الطويل]
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع... فألهيتها عن ذي تمائم محول