ألم ترياني كلّما جئت طارقا... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
فالطارق: النجم، اسم جنس سمي بذلك؛ لأنه يطرق ليلا، ومنه الحديث: «نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يطرق المسافر أهله ليلا؛ كي تستحدّ المغيبة، وتمتشط الشّعثة». والعرب تسمي كل قاصد في الليل:
طارقا. يقال: طرق فلان: إذا جاء بليل. وقد طرق، يطرق طروقا، فهو طارق، وفي الصحاح:
والطارق: النجم الذي يقال له: كوكب الصبح ومنه قول هند بنت طارق بن بياضة الإيادي من مقطوعة قالتها في حرب الفرس لإياد، وتمثلت بها هند أم معاوية فيما بعد في وقعة أحد: [مجزوء الرجز]
نحن بنات طارق... نمشي على النّمارق
فهي تريد: إن أبانا في الشرف كالنجم المضيء. وقال قوم: إنه قد يكون نهارا، والعرب تقول: أتيتك اليوم طرقتين. أي: مرتين، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إني أعوذ بك من شرّ طوارق الليل والنهار؛ إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن!». وقال جرير في الطروق: [الكامل]
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا... حين الزيارة فارجعي بسلام
{وَما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ؟} هذا تفخيم لشأن المقسم به. وانظر سورة (الانفطار). {النَّجْمُ الثّاقِبُ} أي: المضيء. قال تعالى في سورة (الصافات): {فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} يقال: ثقب ثقوبا، وثقابة:
إذا أضاء، وثقوبه: ضوءه، والعرب تقول: أثقب نارك؛ أي: أضئها. قال الشاعر: [الطويل]
أذاع به في النّاس حتى كأنّه... بعلياء نار أوقدت بثقوب
والثقوب: ما تشعل به النار من دقاق العيدان. هذا؛ ورجل ثاقب الرأي: إذا كان صحيح التفكير، نافذ البصيرة. هذا؛ وقال الصاوي، وغيره: قد كثر منه تعالى في كتابه المجيد ذكر الشمس والقمر، والنجوم؛ لأن أحوالها في أشكالها، وسيرها، ومطالعها، ومغاربها عجيبة دالة على انفراد خالقها بالكمالات؛ لأن الصنعة تدل على الصانع. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {وَالسَّماءِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. وانظر ما ذكرته في أول سورة (البروج) و (المرسلات) و (الذاريات) بشأن هذا القسم، والمقسم به. {وَالطّارِقِ:}
الواو: حرف عطف. (الطارق): معطوف على ما قبله. {وَما:} الواو: حرف عطف. (ما):
اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَدْراكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (ما) تقديره: «هو»، والكاف مفعول به أول. {مَا الطّارِقُ:}
مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول {أَدْراكَ} الثاني المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام. وقال زاده: في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني، والثالث ل: {أَدْراكَ؛} لأنه بمعنى: أعلم، والجملة الفعلية: {أَدْراكَ..}. إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {وَما أَدْراكَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، واعتبارها معترضة أولى. {النَّجْمُ:}