وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«شرّ ما في الرجل شحّ هالع، وجبن خالع». أخرجه أبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. وقال أبو عبيدة: الهلوع: هو الذي إذا مسه الخير؛ لم يشكر، وإذا مسه الضر؛ لم يصبر. وعن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسره الله، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر؛ أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل به، ومنعه الناس. هذا؛ و {الْخَيْرُ} المال، والصحة، والولد، والجاه، والمنصب في الدنيا. و {الشَّرُّ:}
الفقر، والمرض، وعدم الولد، والضعف، والذلة في الدنيا. ومعنى {مَسَّهُ:} أصابه، ووقع به.
هذا؛ و {الْإِنْسانَ} يطلق على الذكر، والأنثى من بني آدم، ومثله كلمة: شخص. قال تعالى:
{وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} ومعلوم: أن الله تعالى لم يقصد الذكور خاصة، والقرينة الآيات الكثيرة الدالة على أن المراد: الذكر، والأنثى، واللام في {الْإِنْسانَ} إنما هي لام الجنس؛ التي تفيد الاستغراق، ولذا صح الاستثناء من {الْإِنْسانَ} هنا وفي سورة (العصر) كما ستقف عليه. هذا؛ وإنسان العين: هو المثال الذي يرى فيها، وهو النقطة السوداء، والتي تبدو لامعة وسط السواد. وانظر جمع {الْإِنْسانَ} في الآية رقم [٥] من سورة (الجن). وخذ قول ذي الرمة، -وهو الشاهد رقم [٨٨٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]
وإنسان عيني يحسر الماء تارة... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْإِنْسانَ:} اسم {إِنَّ}. {خُلِقَ:} فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره:«هو»، يعود إلى الإنسان، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {إِنَّ}. {هَلُوعاً:} حال مقدرة؛ لأنه ليس متصفا بالصفات المذكورة وقت خلقه، ولا وقت ولاده. {إِذا} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {مَسَّهُ:} فعل ماض، والهاء في محل نصب مفعول به.
{الشَّرُّ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها. {جَزُوعاً:} خبر ل: «كان» محذوفة مع اسمها، التقدير: كان الإنسان جزوعا، والجملة الفعلية هذه جواب {إِذا} لا محل لها، وإذا ومدخولها في محل رفع خبر ثان ل:{إِنَّ،} أو هي تفسير لجملة: {خُلِقَ هَلُوعاً} كما رأيت في الشرح. هذا؛ وقيل:{جَزُوعاً} حال من الضمير في {هَلُوعاً،} وهو العامل في الحال.
وقيل:{جَزُوعاً} صفة {هَلُوعاً} وعلى هذين القولين، فإذا الأولى متعلقة ب:{جَزُوعاً،} والثانية متعلقة ب: {مَنُوعاً} ولا تنس المقابلة في الآيتين. والمعتمد الأول بلا ريب، والجملة:{وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} معطوفة على ما قبلها، وإعرابها مثلها على جميع الاعتبارات بلا فارق بينهما.
هذا؛ وذكرت لك أن {جَزُوعاً} حال مقدرة؛ إذ الحال بالنسبة للزمان على ثلاثة أقسام: حال مقارنة، وهي الغالبة، نحو قوله تعالى حكاية عن قول امرأة إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {وَهذا بَعْلِي شَيْخاً}. وحال مقدرة، وهي المستقبلة نحو قوله