للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقالت فرقة أخرى: المراد بهذا الورود: المرور على الصراط، واحتجوا بقوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} وفي حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-الطويل في الحشر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثمّ يضرب الجسر على ظهر جهنّم، وتحلّ الشفاعة، ويقولون: اللهمّ سلّم سلّم». قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة، فيه خطاطيف، وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة، يقال لها: السّعدان، فيمرّ المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالرّيح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والرّكاب، فناج مسلّم، ومخدوش مرسل، ومكدوش في نار جهنّم». انظر الحديث بتمام في صحيح مسلم [١٨٢].

وقالت فرقة: بل هو ورود إشراف، واطّلاع، وقرب، وذلك: أنهم يحضرون موضع الحساب، وهو بقرب جهنم فيرونها، وينظرون إليها في حالة الحساب، ثم ينجي الله الذين اتقوا ممّا نظروا إليه، ويصار بهم إلى الجنة. قال تعالى: {وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ..}. إلخ أي: أشرف عليه لا أنه دخله. وانظر الآية [٨٦] لشرح الورد وقال مجاهد: ورود المؤمنين النار هو الحمّى التي تصيب المؤمن في دار الدنيا، وهي حظه من النار، فلا يردها يوم القيامة. روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاد مريضا من وعك به، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر فإنّ الله تبارك وتعالى يقول: هي ناري أسلّطها على عبدي المؤمن لتكون حظّه من النار». وفي حديث آخر: «الحمّى حظّ المؤمن من النار». وقيل: غير ذلك. انتهى. باختصار من القرطبي: وإنني أعتمد المرور على الصراط من كل هذه الأقوال، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. {كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا} أي: كان ورود جهنم قضاء لازما، قضاه الله عليكم، وأوجبه، وقد أكد هذا الوجوب بالقسم، وهو يفيد عدم الخلف في وعده، ولا يلزم منه الإلجاء إلى الإنجاز. وانظر الآية رقم [١٦] من سورة (الفرقان). وانظر إعلال {مَقْضِيًّا} في الآية رقم [٢١].

هذا؛ و (وارد) اسم فاعل من: ورد الماء يرده، وجمعه: واردون، وورّاد. قال الشاعر: [البسيط]

ردوا فو الله لا ذدناكمو أبدا... ما دام في مائنا ورد لورّاد

هذا؛ والمورد: المنهل من الماء، والمورود: الماء الذي يورد، والموضع الذي يورد عليه أيضا، وقد اعتبرت النار في هذه الآية موردا على سبيل الاستعارة التصريحية. وقيل: استعارة مكنية تهكمية للضد، وهو الماء، ولا تنس: أن الضمير عائد على النار، وهو قائم مقام التصريح بها.

الإعراب: {وَإِنْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، التقدير: فو ربك، ونحوه. والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. (إن): حرف نفي بمعنى:

«ما». {مِنْكُمْ:} متعلقان بمحذوف صفة لموصوف محذوف يقع مبتدأ، التقدير: وما أحد كائن منكم. هذا؛ وفي الكلام التفات من الغيبة في الآية السابقة إلى الخطاب في هذه الآية. ومثل الآية في حذف الموصوف وإبقاء الصفة قول الشاعر: [الرجز]

<<  <  ج: ص:  >  >>