بإسناد الثعلبي عن كردم بن أبي السائب الأنصاريّ-رضي الله عنه-قال: خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب، فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي، فقال: يا عامر الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه، يقول: يا سرحان أرسله، فأتى الحمل يشتد حتى دخل الغنم، ولم تصبه كدمة، وأنزل الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم:{وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ..}. إلخ، انتهى خازن وقرطبي وغيرهما. وخذ ما يلي:
حدث بعض الصحابة-رضوان الله عليهم-قال: خرجت في طلب إبل لي، فأدركتها، ثم أردت النوم-وكنا إذا نزلنا بواد قلنا: نعوذ بعزيز هذا الوادي-فتوسدت ناقتي، وقلت: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فإذا هاتف يقول:[الرجز]
ويحك عذ بالله ذي الجلال... ومنزل الحرام والحلال
ووحّد الله ولا تبالي... ما كيد ذي الجنّ من الأهوال
إذ تذكر الله على الأحوال... وفي سهول الأرض والجبال
قد صار كيد الجنّ في سفال... إلا النبي وصالح الأعمال
فقلت له:[الرجز]
يا أيّها القائل ما تقول؟ ... أرشد عندك أم تضليل؟
فقال:[الرجز]
جاء رسول الله بالخيرات... جاء بياسين وحاميمات
وسور بعد مفصلات... يأمر بالصّلاة والزكاة
ويزجر الأقوام عن مناة... قد كنّ في الإسلام منكرات
فقلت: أما إنه لو كان لي من يؤدي إبلي هذه إلى أهلي؛ لأتيته حتى أسلم، فقال: أنا أؤديها، فركبت بعيرا منها، ثم قدمت فإذا النبي صلّى الله عليه وسلّم على المنبر (وفي رواية: فوافيت الناس في صلاة الجمعة) فبينا أنا أنيخ راحلتي؛ إذ خرج إليّ أبو ذر-رضي الله عنه-، فقال لي: يقول لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ادخل، فدخلت، فلما رآني؛ قال:«فما فعل الرجل؟». وفي رواية:«ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدّي إبلك، أما إنه قد أداها سالمة!». وقد قص الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم ما كان عليه الناس قبل بعثته من أن الإنسان إذا نزل منزلا مخوفا، قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهائه بقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ..}. إلخ.