للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتفضيل، وإنما هي عدة بخير، وانظر شرح (الحرام) في الآية رقم [٩٥] من سورة (الأنبياء)، والعندية عندية تشريف، وتكريم، لا عندية مكان، وقرب.

{وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ} أي: أكل لحمها، والانتفاع بجميع أجزائها؛ لأن الحكم الشرعي؛ وإن نسب إلى ذات؛ فالطلب لا يتعلق إلا بالأفعال، نحو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ} أي: الاستمتاع بهن. و: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أي: أكلها، و: {حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ} أي: تناولها، لا أكلها؛ لتناول شرب ألبان الإبل، وقوله تعالى: {وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها} أي:

منافعها: الركوب، والتحميل. {إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} أي: إلا المتلو عليكم في القرآن تحريمه، وهو ما ذكر في الآية رقم [١٤٥] من سورة (الأنعام)، والآية رقم [٤] من سورة (المائدة).

{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ:} {الرِّجْسَ:} الشيء القذر، وصفها الله بالرجس، و {الرِّجْسَ:} النجس، فهي نجسة حكما، و {الْأَوْثانِ:} جمع: وثن، وهو التمثال من خشب، أواحديد، أو ذهب، أو فضة، ونحوها، انظر الآية رقم [٥٢] من سورة (الأنبياء)، وكانت العرب تنصبها، وتعبدها. والنصارى تنصب الصليب، وتعبده، وتعظمه، فهو كالتمثال أيضا. قال عدي بن حاتم الطائي-رضي الله عنه-: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: «يا عدي ألق عنك هذا الوثن!». أي: الصليب. وأصله من: وثن الشيء أي: أقام في مقامه، وسمي الصنم وثنا؛ لأنه ينصب، ويركز في مكان، فلا يبرح عنه، والمراد: اجتنبوا عبادة الأوثان.

{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ:} اتركوا قول الزور، واجتنب الشيء: ابتعد عنه، والزور:

الباطل، والكذب، وسمي زورا؛ لأنه ميل عن الحق، وكل ما عدا الحق فهو كذب، وباطل، وزور، ولا تنس: أن الحكيم العليم قد قرن قول الزور-أي شهادة الباطل-بعبادة الأوثان، وأيده النبي صلّى الله عليه وسلّم، فعن أيمن بن خريم: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا، فقال: «أيّها الناس عدلت شهادة الزّور الإشراك بالله. ثمّ قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.» أخرجه الترمذي، وأخرجه أبو داود عن خريم بن فاتك بنحوه، وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر-ثلاثا-» قلنا: بلى يا رسول الله! قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين». وكان متّكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور». فما زال يكرّرها؛ حتّى قلنا: ليته سكت. أخرجه البخاري.

وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الطّير لتضرب بمناقيرها، وتحرّك أذنابها من هول يوم القيامة، وما يتكلّم به شاهد الزّور، ولا تفارق قدماه على الأرض حتى يقذف به في النّار». رواه الطبراني في الأوسط، وكان عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه، ويطوف به في الأسواق. هذا؛ وكتمان الشهادة-أي: الامتناع عن أدائها-كشهادة الزور، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٨٣]:

<<  <  ج: ص:  >  >>