للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تلا قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} رقم [٧] من سورة (هود)، ثم قال: «أيّكم أحسن عقلا، وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله».

هذا؛ والابتلاء: الامتحان، والاختبار يكون في الخير، والشر. قال تعالى: {وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} رقم [١٦٨] من سورة (الأعراف)، وخذ ما يلي:

عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مر بمجلس، وهم يضحكون فقال:

«أكثروا من ذكر هاذم اللذات» أحسبه قال: «فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقها عليه». رواه البيهقي، والبزار.

وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا نبي الله! من أكيس الناس، وأحزم الناس؟ قال: «أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا، وكرامة الآخرة». رواه الطبراني، وابن ماجه، والبيهقي، ورحم الله من يقول: [الكامل]

ولدتك أمّك يا بن آدم باكيا... والناس حولك يضحكون سرورا

فاعمل لنفسك كي تكون إذا بكوا... في يوم موتك ضاحكا مسرورا

وخير وسيلة يستديم بها المؤمن ذكر الموت أن يكثر من تذكر إخوانه الذين عاشروه، ثم ماتوا، وخلفوه، كيف كانوا في مناصبهم، وأعمالهم، وكيف خلت منهم منازلهم؟! فإنه لو تذكر حال كل واحد منهم، وفصل في قلبه ما كان عليه في دنياه من حسن الصورة، وجمال المنظر والنشاط في الغدو والرواح، والركون إلى الشباب، والقوة، والمال، والانخداع بزهرة الدنيا، وزينتها، والغفلة عما هو قادم عليه من الموت الذريع، والهلاك السريع، وكيف كان يختزن من الأقوات، ويكتنز من الأموال ما يكفيه عشرات السنين، وكيف كان يشيد من الأبنية والقصور ما يبقى أبد الآبدين؛ مع أن اسمه قد كتب في سجل الميتين، وها هو ذا الآن يأكل الدود لسانه، وتتخلل الأتربة أسنانه، وكم نطق بهذا اللسان! وكم افترّ ثغره عن مثل حب الجمان!.

لو تذكر الإنسان إخوانه على هذا النحو، واعتبر نفسه بهم، وقاس حاله بحالهم، وعرف أن غفلته ستكون كغفلتهم، وعاقبته كعاقبتهم، لو داوم على هذا التفكر، وأكثر من عيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وزيارة القبور؛ لغلب ذكر الموت على قلبه، فيقل فرحه بالدنيا وزخرفها، ويشتد تجافيه عن غرورها، ويشتغل بالاستعداد للآخرة، التي لا محيص عنها. قال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: (ألا ترون أنكم تجهزون كلّ يوم غاديا، أو رائحا إلى الله، تضعونه في صدع من الأرض، قد توسد التراب، وخلف الأحباب، وتقطعت به الأسباب).

بعد هذا: فالموت: انتهاء الحياة بخمود حرارة البدن، وبطلان حركته. وموت القلب:

قسوته، فلا يتأثر بالمواعظ، ولا ينتفع بالنصائح. هذا؛ وقد قال الله تعالى في سورة (الزمر) رقم

<<  <  ج: ص:  >  >>