ونزل، وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السّلام عليكم، فتغشّاه أسامة بن زيد-رضي الله عنه-بسيفه، فقتله، واستاق غنمه، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخبروه الخبر، فوجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك وجدا شديدا، وكان قد سبقهم الخبر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلتموه إرادة ما معه؟!»، ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أسامة هذه الآية، فقال أسامة-رضي الله عنه-: يا رسول الله استغفر لي! فقال: «كيف أنت بلا إله إلاّ الله؟!» يقولها ثلاث مرات. قال أسامة-رضي الله عنه-:
فما زال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكرّرها حتى وددت أنّي لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ثم استغفر لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «أعتق رقبة»، وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ديته إلى أهله، وردّ عليهم غنيماته. وفي الآية دليل على صحّة إيمان المكره، وأنّ المجتهد قد يخطئ، وأنّ خطأه مغتفر.
وروى أبو ظبيان عن أسامة-رضي الله عنه-قال: قلت: يا رسول الله! إنّما قالها خوفا من السّلاح، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا شققت عن قلبه حتّى تعلم أقالها خوفا أم لا؟». خازن.
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: والذي عليه الأكثر، وهو في سيرة ابن إسحاق، ومصنف أبي داود، والاستيعاب لابن عبد البر: أنّ القاتل محلّم بن جثّامة، والمقتول عامر بن الأضبط، فقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على محلّم، فما عاش بعد ذلك إلا سبعا، ثم دفن؛ فلم تقبله الأرض، ثمّ دفن فلم تقبله، ثمّ دفن ثالثة فلم تقبله، فلمّا رأوا: أنّ الأرض لا تقبله ألقوه في بعض الشّعاب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأرض لتقبل من هو شرّ منه».
هذا؛ وعرض الحياة الدنيا: حطامها الفاني، وإنّما سمّى سبحانه منافع الدنيا: عرضا؛ لأنّه لا ثبات له، ولا دوام. ومنه: الدّنيا عرض حاضر يأكل منه البرّ، والفاجر، فكأنّها تعرض، ثم تزول، بخلاف منافع الآخرة فإنّها دائمة لا انقطاع لها. وفي صحيح مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
«ليس الغنى عن كثرة العرض، إنّما الغنى غنى النّفس». وقد أخذ بعض العلماء هذا المعنى، فنظمه: [الطويل]
تقنّع بما يكفيك واستعمل الرّضا... فإنّك لا تدري أتصبح أم تمسي
فليس الغنى عن كثرة المال إنّما... يكون الغنى والفقر من قبل النّفس
ورحم الله من قال: [الطويل]
غنى النّفس ما يكفيك من سدّ خلّة... فإن زاد ما يكفيك عاد الغنى فقرا
و {عَرَضَ} بفتح العين والرّاء هنا، وهو بضم العين وسكون الراء: ناحية الشيء، من أي وجه جئته، وهو بفتح العين وسكون الراء: ضد الطول، وهو بكسر العين وسكون الراء: النفس، يقال: أكرمت عنه عرضي، أي: صنت عنه نفسي، وهو أيضا: رائحة الجسد، وغيره، طيبة كانت، أو خبيثة، يقال: فلان طيّب العرض، أو: منتن العرض.