للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} فهل تثير إلا بحوافرها، وهل تضبح الإبل؟ فقال علي: ليس كما قلت، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرسان: فرس للمقداد، وفرس للزبير، أتفتي الناس بما لا تعلم، فكيف تكون الخيل العاديات ضبحا؟! إنما العاديات الإبل من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: فرجعت إلى قول علي. وبه قال ابن مسعود، وعبيد بن عمير، ومحمد بن كعب القرظي، والسدي-رضي الله عنهم-. ومنه قول صفية بنت عبد المطلب-رضي الله عنها-: [الوافر]

فلا والعاديات غداة جمع... بأيديها إذا سطع الغبار

يعني: الإبل. وسميت العاديات لاشتقاقها من العدو، وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي.

وقال آخر: [الطويل]

رأى صاحبي في العاديات نجيبة... وأمثالها في الواضعات القوامس

ومن قال: هي الإبل فقوله (ضبحا) بمعنى: ضبعا، فالحاء عنده مبدلة من العين؛ لأنه يقال:

ضبعت الإبل، وهو أن تمد أعناقها في السير. وقال المبرد: الضبع مد أضباعها في السير، والضبح أكثر ما يستعمل في الخيل، والضبع في الإبل، وقد تبدل الحاء من العين.

هذا؛ وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن صحت الرواية فقد استعير الضبح للإبل كما استعير المشافر، والحافر للإنسان، والشفتان للمهر. أقول: والأكثر: أن المراد الخيل. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

وقال أبو حيان-رحمه الله تعالى-: وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة لعطفها بالفاء؛ التي تقتضي التعقيب. والظاهر: أنها الخيل؛ التي يجاهد عليها العدو من الكفار، ولا يستدل على أنها الإبل بوقعة بدر، وإن لم يكن فيها إلا فرسان؛ لأنه لم يذكر: أن سبب نزول هذه السورة هو وقعة بدر، ثم بعد ذلك لا يكاد يوجد: أن الإبل جوهد عليها في سبيل الله، بل المعلوم أنه لا يجاهد إلا على الخيل في سبيل الله، في شرق البلاد، وغربها.

{فَالْمُورِياتِ قَدْحاً:} هي الخيل حين توري النار بحوافرها، وهي سنابكها، وهذا يكون في القتال في الكرّ، والفرّ، وعلى الثاني هي أخفاف الإبل ترمي بالحجارة من شدة عدوها، فيضرب الحجر حجرا أخرى، فيوري النار. وقيل: هي النار بمنى.

{فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً:} الخيل تغير على العدو عند الصبح عن ابن عباس، وأكثر المفسرين.

وكانوا إذا أرادوا الغارة؛ سروا ليلا، ويأتون العدو صبحا؛ لأن ذلك وقت غفلة الناس، ومنه قوله تعالى: {فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} رقم [١٧٧] من سورة (الصافات). وقيل: لعزهم أغاروا نهارا. وعلى قول علي-رضي الله عنه-: الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من مزدلفة إلى منى، والإغارة سرعة السير.

<<  <  ج: ص:  >  >>