للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمخادعة في الآية رقم [٩] البقرة والآية رقم [١٤٢] النساء، {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ} أي: كافيك بنصره ومعونته. وانظر الآية رقم [٦٠] من سورة (التوبة)، وخذ قول جرير في هجاء: [الكامل]

إنّي وجدت من المكارم حسبكم... أن تلبسوا خزّ الثّياب وتشبعوا

{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}: شد أزرك، وقواك بنصره يوم بدر وفي سائر أيامك بالمؤمنين من الأنصار، قال النعمان بن بشير رضي الله عنه: نزلت في مدح الأنصار. {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} أي: جمع بين قلوب الأوس والخزرج بعد أن كانوا أعداء، وحرب بعاث دامت بينهم أربعين سنة، وكان تآلف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب من معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن أحدهم، كان يلطم اللطمة، فيقاتل عنها حتى يستقيدها، وأكبر دليل على ذلك حرب بعاث بين الأوس والخزرج، وحرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان، وحرب البسوس بين بني بكر وبني تغلب، وكانوا أشد خلق الله حمية، فألف الله بينهم بالإيمان، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين، وآية المجادلة الأخيرة أكبر دليل على ذلك.

{لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ..}. إلخ: هذا بيان من الله عز وجل: أنه هو الذي ألف بين قلوب العرب، وأن القلوب بيده يصرفها كيف يشاء ويريد، ولو أن منفقا أنفق جميع الأموال الموجودة في الأرض بسبيل تأليف قلوب العرب؛ لما أمكنه ذلك، إلا أن يشاء الله ويريد ذلك بقدرته وحكمته البالغة. إنه عزيز حكيم، انظر الآية رقم [١٠] و [٥٠]. هذا؛ وبين ظرف مكان بمعنى وسط بسكون السين، تقول: جلس بين القوم، كما تقول: جلس وسط القوم، هذا؛ والبين: الفراق والبعاد، وهو أيضا الوصل، فهو من الأضداد، كالجون يطلق على الأسود والأبيض، ومن استعماله بمعنى الفراق والبعاد، قول كعب بن زهير رضي الله عنه في قصيدة البردة: [البسيط]

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا... إلاّ أغنّ غضيض الطّرف مكحول

الإعراب: {وَإِنْ يُرِيدُوا}: هو مثل: {وَإِنْ جَنَحُوا} في الآية السابقة، و {أَنْ يَخْدَعُوكَ} في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به لفعل الإرادة، وقد صرح به لأنه شيء مستغرب، انظر الآية رقم [٨٩] (الأعراف). {فَإِنَّ}: الفاء: واقعة في جواب الشرط. (إن): حرف مشبه بالفعل.

{حَسْبَكَ}: اسم إن، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله.

{اللهَ}: خبر (إن)، وهو في المعنى فاعل بالمصدر، والجملة الاسمية: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ} في محل جزم جواب الشرط في الظاهر، وعند التأمل يتبين لك: أن جواب الشرط محذوف، تقديره: فصالحهم، ولا تخف من كيدهم؛ وعليه فجملة: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ} تعليل لهذا المحذوف، وانظر الشرح. {هُوَ الَّذِي}: مبتدأ وخبر. {أَيَّدَكَ}: ماض والفاعل يعود إلى الذي تقديره: «هو»، وهو العائد، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها.

{بِنَصْرِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله،

<<  <  ج: ص:  >  >>