يخطر على قلب بشر، ولا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، قال: ونحن نقرؤها: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ..}. إلخ.
هذا؛ وقال الجمل-رحمه الله تعالى-: والمراد: لا تعلم نفس ما أخفي لهم علما تفصيليا، وإلا فنحن نعلم ما أعد الله للمؤمنين إجمالا من حيث: إنه غرف في الجنة، وقصور، وأشجار، وأنهار، وملابس، ومآكل، وحور عين، وغير ذلك. انتهى. أقول: وهذا تحدث عنه القرآن في كثير من السور. هذا؛ وذكرت في سورة (الزخرف) رقم [٧١] بحثا جيدا يتعلق ببلاغة القرآن، وفصاحته مع مقارنته بكلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ الذي هو أفصح البشر على الإطلاق.
هذا؛ و {أَعْيُنٍ} جمع: عين، وهو جمع قلة كما رأيت، وجمع الكثرة: عيون، وأعيان، والثاني غير مشهور، وقليل الاستعمال، والمراد هنا: الأعين الباصرة، وتطلق العين على الماء الخارج من الأرض، وعلى الجاسوس، كما في قولك: بث الأمير عيونه في المدينة، أي:
جواسيسه، كما تطلق على ذات الشخص، كما في قولك: جاء محمود عينه، وعين الشيء:
خياره، وتطلق على النقد من ذهب، وغيره، وإليك قول الشاعر:[البسيط] واستخدموا العين منّي وهي جارية... وقد سمحت بها أيّام وصلهمو
فالمراد بالعين: ذاته. والمراد بجارية: عينه التي تجري بالدمع، والمراد بقوله: بها نقد الذهب، وهذا يسمى في فن البديع استخداما. وتطلق على المطر الهاطل من السحاب، قال عنترة:[الكامل] جادت عليه كلّ عين ثرّة... فتركن كلّ حديقة كالدّرهم
هذا؛ وأعيان القوم: أشرافهم، وبنو الأعيان: الإخوة ومن الأبوين.
الإعراب:{فَلا:} الفاء: حرف تفريع، واستئناف. (لا): نافية. {تَعْلَمُ:} فعل مضارع.
{نَفْسٌ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {أُخْفِيَ:} فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى {ما،} وهو العائد، أو الرابط، والجملة الفعلية صلة:{ما،} أو صفتها.
هذا؛ ويقرأ الفعل ببنائه للمعلوم على أن الفاعل يعود إلى:(الله)، والجملة الفعلية صلة {ما} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: فلم تعلم نفس الذي، أو: شيئا أخفاه الله لهم، ويقرأ الفعل بصيغة المضارع:(نخفي) وعليه فالفاعل تقديره: «نحن»، والجملة صلة... إلخ، والتقدير: فلا تعلم نفس الذي، أو شيئا نخفيه لهم، كما يقرأ بصيغة المضارع المبني للمجهول (ما يخفى) هذا؛ وأجيز اعتبار {ما} استفهامية مبتدأ، والجملة الفعلية في محل رفع خبره، وذلك على اعتبار الفعل ماضيا، وفي محل نصب مفعول به مقدم على اعتبار الفعل مضارعا، والجملة على الاعتبارين في محل نصب سدت مسد مفعول {تَعْلَمُ} المعلق عن العمل لفظا بسبب {ما}