الغليظة السبخة، التي لا ينتفع بها؛ وإن أصابها المطر، فكذلك الكافر إذا سمع القرآن؛ لا ينتفع به، ولا يصدقه، ولا يزيده إلا عتوّا، وكفرا، وإن عمل الكافر الحسنة في الدنيا؛ كانت بمشقة، وكلفة، ولا ينتفع بها في الآخرة.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن، يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما أن البلد الطيب ثمره طيب، ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة؛ التي خرجت منها البركة، فالكافر خبيث، وعمله خبيث.
ويدل على هذا التأويل ما روي عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مثل ما بعثني الله به من الهدى، والعلم، كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيّبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها النّاس، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى، إنّما هي قيعان، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، عز وجل، ونفعه ما بعثني الله تعالى به، فعلم، وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله تعالى؛ الّذي أرسلت». أخرجاه في الصحيح. انتهى. خازن.
ولا يخفى: أن في الآية الكريمة استعارة تصريحية. هذا؛ وأقول: يمكن أن يراد بالنبات:
الصلحاء، والعلماء، والمجاهدون الذين ينشئون في البلد الطيب، ومكة والمدينة أطيب البلاد، فقد خرج منهما الأبطال، والعلماء، والصلحاء، وهذا يلاحظ في بعض القرى، فهناك قرية طيبة يخرج منها ما ذكرت، وهناك قرية، أو بلدة لا يتخرج منها إلا الأشقياء، ويبقى الجهل ضاربا أطنابه فيها كل حياته، فلا ينشأ جيل إلا وهو أخبث مما قبله منهمك في لذات الدنيا، وجمع حطامها الفاني من حلال، أو من حرام لا يبالي. ولا تنس بلاد الكفر، وقراهم.
الإعراب:{وَالْبَلَدُ:}(البلد): مبتدأ. {الطَّيِّبُ:} صفته. {يَخْرُجُ نَباتُهُ:} فعل، وفاعله، أو فعل، ونائبه، أو فعل، ومفعوله، والفاعل مستتر تقديره:«هو» وذلك على حسب القراءات التي رأيتها، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.
{بِإِذْنِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {نَباتُهُ} و (إذن) مضاف، و {رَبِّهِ:} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة. (الذي): مبتدأ، وجملة:{خَبُثَ} صلته، والعائد رجوع الفاعل إليه. {لا:} نافية. {يَخْرُجُ:} مضارع، والفاعل يعود إلى نباته. {إِلاّ:}
حرف حصر. {نَكِداً:} حال من الفاعل المستتر، أو هو صفة مفعول مطلق محذوف، التقدير:
إلا خروجا نكدا، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{وَالَّذِي..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {كَذلِكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، وتقدير الكلام: