بالوجه عن جملة الشيء، قال الله عزّ وجل لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} رقم [٢٠] من سورة (آل عمران)، وإذا جاء العبد بوضع وجهه على الأرض في السّجود؛ فقد جاء بجميع أعضائه، فقال زيد بن عمرو بن نفيل، وهو من الذين تفرقوا في البلدان في الجاهلية يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم-عليه السّلام-: [المتقارب]
وأسلمت وجهي لمن أسلمت... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت... له المزن تحمل عذبا زلالا
يعني بذلك: استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته الأرض والمزن.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ:} أي: في عمله. فله شرطان: أحدهما: أن يكون خالصا لله تعالى، والثاني: أن يكون صوابا موافقا للشريعة التي جاء بها محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فمتى اختلّ شرط منهما؛ كان العمل غير مقبول قطعا.
هذا؛ و (الدين) اسم لجميع ما يتعبّد به الله تعالى، والدّين: الملة، والشّريعة، ومنه قوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة وألف سلام: {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ}. ويوم الدين: يوم الجزاء، والحساب. هذا؛ ويطلق الدّين على العادة، والشأن، والحال، ومنه قول امرئ القيس في معلّقته: [الطويل]
كدينك من أمّ الحويرث قبلها... وجارتها أمّ الرّباب بمأسل
هذا؛ والدّين بفتح الدّال: الدّين المؤجل، وجمع الأوّل: أديان، وجمع الثاني: ديون وأدين، والدّينونة: القضاء، والحساب، والدّيانة: اسم لجميع ما يتعبّد به الله تعالى.
{وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً:} ملّة إبراهيم: دينه، وطريقته، وهي بكسر الميم، وهي بفتح الميم: الرّماد الحار، و ({حَنِيفاً}) مائلا عن كلّ دين باطل إلى دين الحقّ. قال الشاعر: [الوافر]
ولكنّا خلقنا إذ خلقنا... حنيفا ديننا عن كلّ دين
ورجل أحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها، قالت أمّ الأحنف بن قيس: [الرجز]
والله لولا حنف برجله... ما كان في فتيانكم من مثله
وقال قوم: الحنف: الاستقامة، فسمّي دين إبراهيم حنيفا لاستقامته، وسمّي المعوجّ الرّجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة، كما قيل للّديغ: سليم، وللهلكة: مفازة، والعرب تسمي كلّ من حجّ، أو اختتن: حنيفا، تنبيها على أنّه على دين إبراهيم. وخذ قول سيدنا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم:
«بعثت بالحنيفيّة السّمحة».