للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً:} لقد ذكرت أسباب كثيرة لاتخاذ الله إبراهيم خليلا، أكتفي بأمرين من ذلك:

١ - روي: أنّ إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-بعث غلمانه إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت النّاس بشدّة؛ ليمتاروا منه، فقال خليله للغلمان: لو كان إبراهيم يريد الطّعام لنفسه؛ لفعلت، ولكن يريده للأضياف، وقد أصابنا ما أصاب النّاس من الشدّة، فرجع غلمانه بدون ميرة، فمرّوا في طريقهم ببطحاء من الرملة سهلة، فملئوا الغرائر منها؛ لئلا يرى النّاس: أنّهم رجعوا بدون ميرة، فلما أخبروا إبراهيم بذلك ساءه الخبر، فغلبته عيناه فنام، وقامت سارة-عليها السّلام-إلى غرارة منها، ففتحتها فإذا هي ملأى بأجود دقيق، فأمرت الخبّازين، فخبزوا، وأطعموا النّاس، فاستيقظ إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-فوجد ريح الخبز، فقال: يا سارة! من أين لكم هذا؟ فقالت: من عند خليلك المصري. فقال: بل هذا من عند خليلي الله. قال: فيومئذ اتّخذه الله خليلا.

٢ - روى الطّبرانيّ عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تبارك وتعالى بعث حبيبي جبريل-عليه الصّلاة والسّلام-إلى إبراهيم عليه السّلام، فقال له:

يا إبراهيم! إنّي لا أتّخذك خليلا على أنّك أعبد عباد لي، ولكن اطّلعت على قلوب المؤمنين، فلم أجد قلبا أسخى من قلبك».

هذا؛ وقد اتّخذ الله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم خليلا، كما اتّخذ إبراهيم خليلا، فقد ثبت في الصّحيحين عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «لو كنت متّخذا خليلا غير ربّي؛ لاتّخذت أبا بكر خليلا، ولكنّه أخي، وصاحبي، وقد اتّخذ الله صاحبكم خليلا». أخرجه مسلم.

فقد ثبت بهذين الحديثين الخلّة ل‍ (إبراهيم) عليه السّلام، وللنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وزاد على إبراهيم-عليه السّلام-بالمحبّة، فمحمّد خليل الله، وحبيبه، فقد جاء في حديث عن ابن عباس-رضي الله عنهم-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «وأنا حبيب الله، ولا فخر! وأنا أوّل شافع، وأوّل مشفّع؛ ولا فخر! وأنا أوّل من يحرّك حلقة الجنّة، فيفتح الله، ويدخلنيها؛ ومعي فقراء المؤمنين؛ ولا فخر! وأنا أكرم الأوّلين، والآخرين يوم القيامة؛ ولا فخر!». أخرجه الترمذيّ بأطول من هذا.

بعد ما تقدّم فالخلّة بين الآدميين: الصّداقة، مشتقّة من تخلّل الأسرار بين المتخالّين. وقيل:

هي من الخلّة، فكل واحد من الخليلين يسدّ خلّة صاحبه. هذا؛ والخليل: هو الصديق الذي صفت مودّته، فتجد من خلاله مثل ما يجد من خلالك، ويسعى لمصلحتك كما يسعى لمصلحته، بل قد يؤثرك على نفسه، ويبذل روحه من أجلك، كما قال ربيعة بن مقروم الضبّي: [الوافر]

أخوك أخوك من تدنو وترجو... مودّته وإن دعي استجابا

إذا حاربت حارب من تعادي... وزاد سلاحه منك اقترابا

<<  <  ج: ص:  >  >>