للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التزمل، والتدثر ما روي في البخاري (باب أول نزول الوحي): أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما جاءه جبريل عليه السّلام، وهو في غار حراء في ابتداء الوحي، وحصل ما حصل من ضمه إلى صدره ثلاث مرات، وإرساله؛ نزل من غار حراء يرجف فؤاده، فدخل على خديجة-رضي الله عنها-، وقال:

«زمّلوني زملوني، لقد خشيت على نفسي». وأخبرها بما جرى له. وزمّلوني بمعنى: دثروني، وكلاهما بمعنى غطوني. انتهى. قرطبي وغيره بتصرف.

هذا؛ وقيل في ذلك أقوال كثيرة، والمعتمد ما ذكرته، وأبعد الأقوال عن الحقيقة والواقع ما ذكره النخعي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان متزملا بقطيفة، نصفها على عائشة-رضي الله عنها-وأنها مرط، طوله أربعة عشر ذراعا. قالت: نصفه عليّ وأنا نائمة، ونصفه على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يصلي، والله ما كان خزا، ولا قزا، ولا مرعزى، ولا إبريسما، ولا صوفا! كان سداه شعرا، ولحمته وبرا. ذكره الثعلبي. وقد ذكرت لك في مقدمة السورة عن الثعلبي نفسه: أن المعتمد: أن السورة مكية ما عدا الآية الأخيرة منها فإنها مدنية، فهل يصح هذا؟!.

{قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً:} هذا؛ واختلف هل كان قيام الليل فرضا، أو نفلا؟ والدلائل تقوي: أن قيامه كان فرضا، ثم نسخ، واختلف: هل كان فرضا على النبي صلّى الله عليه وسلّم وحده، أو عليه، وعلى من كان قبله من الأنبياء، أو عليه، وعلى أمته؟ على ثلاثة أقوال: الأول: قول سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-؛ لتوجه الخطاب له وحده. الثاني: قول ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان قيام الليل فريضة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى الأنبياء قبله. الثالث: قول عائشة، وابن عباس أيضا: أنه كان فرضا عليه وعلى أمته. انتهى. جمل، نقلا من الخطيب، والخازن، والقرطبي باختصار.

وانظر ما اختص به النبي صلّى الله عليه وسلّم من أشياء في الآية رقم [٥٠] من سورة (الأحزاب).

واختلف في الناسخ لفريضة قيام الليل، فقيل: الصلوات الخمس. وقيل: أول هذه السورة منسوخ بآخرها. وخذ ما يلي عن زرارة بن أوفى: أن سعد بن هشام بن عامر-رضي الله عنه- أراد أن يغزو في سبيل الله... الحديث، وفيه فقلت لعائشة-رضي الله عنها-: أنبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: ألست تقرأ {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ..}. إلخ؟ قلت: بلى! قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا، وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء، حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وذكر الحديث. وذكر وكيع، ويعلى قالا: حدثنا مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس-رضي الله عنهما-يقول: لما أنزل أول {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها، وآخرها نحو من سنة. وقال سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: مكث النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل، فنزل بعد عشر سنين: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ..}. إلخ، فخفف الله عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>