للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقال الفراء: يقول القائل: كيف قال: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى} وهل في العسرى تيسير؟! فيقال في الجواب: هذا في إجازته بمنزلة قوله عزّ وجل: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} رقم [٢١] من سورة (آل عمران)، و [٣٤] من سورة (التوبة)، و [٢٤] من سورة (الانشقاق)، والبشارة في الأصل على المفرح والسار، فإذا جمع في كلامين: هذا خير، وهذا شر؛ جاءت البشارة فيهما جميعا، وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين: هذا خير، وهذا شر؛ جاء التيسير جميعا. انتهى. قرطبي. هذا؛ ولقد تكلمت على البخل، والبخلاء فيما تقدم كثيرا. انظر آخر سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم) والآية رقم [١١] و [١٥] من سورة (الحديد) والآية رقم [٩] من سورة (الحشر) وخذ ما يلي في حق السخاء.

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «السخيّ قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار. ولجاهل سخيّ أحبّ إلى الله من عالم بخيل». رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا إن كلّ جواد في الجنة حتم على الله وأنا به كفيل، ألا وإنّ كلّ بخيل في النار حتم على الله، وأنا به كفيل». قالوا: يا رسول الله! من الجواد، ومن البخيل؟ قال: «الجواد من جاد بحقوق الله عزّ وجلّ في ماله. والبخيل من منع حقوق الله، وبخل على ربّه، وليس الجواد من أخذ حراما، وأنفق إسرافا». رواه الأصبهاني.

وعن عمر-رضي الله عنه وأرضاه-قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تبارك وتعالى بعث حبيبي جبريل عليه الصلاة والسّلام إلى إبراهيم عليه السّلام، فقال له: يا إبراهيم! إني لا أتّخذك خليلا على أنّك أعبد عباد لي، ولكن اطلعت على قلوب المؤمنين، فلم أجد قلبا أسخى من قلبك». رواه الطبراني وابن حبان.

وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جبريل عليه السّلام، عن الله تعالى؛ قال: «إن هذا دين ارتضيته لنفسي، ولن يصلح له إلاّ السخاء، وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه». رواه الطبراني في الأوسط.

ومعلوم: أن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صفوة الصفوة من سادة العرب، والمثل الأعلى للإنسانية الكاملة الفياضة بالخير، والرحمة، والجود، والعطاء، فكل العالمين دونه في النبل، والكمال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، لا جرم كان أجود الناس، وأكثرهم عطاء، وأبذلهم للخير، والمال، وكيف لا يكون كذلك؛ وروحه أقوى الأرواح، ونفسه أحسن النفوس، ومزاجه أعدل الأمزجة، وعليه أنزل: {وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ} فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكانت الأموال تأتيه من كل فج عميق بكثرة، فلا يقوم من مجلسه؛ حتى يفرقها كلها في وجوه الخير، والبر، والإحسان، ولا يرد

<<  <  ج: ص:  >  >>