وتقديم الجار والمجرور على الفعل، وجعل بعض الجمل اسمية مفيدة للدوام والثبات، وبعضها فعلية مفيدة للاستمرار التجددي.
هذا؛ وقال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: كيف قال: {عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ} ثم قال:
{عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ؟} قلت: معنى إدامتهم عليها أن يواظبوا على أدائها، وألا يتركوها في وقت من الأوقات، وألا يشتغلوا عنها بغيرها إذا دخل وقتها، والمحافظة عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها، وهو أن يأتي بها العبد على أكمل الوجوه. وهذا إنما يحصل بأمور ثلاثة: منها ما هو سابق للصلاة، كاشتغاله بالوضوء، وستر العورة، وإرصاد المكان الطاهر للصلاة، وقصد الجماعة، وتعلق القلب بدخول وقتها، وتفريغه عن الوسواس، والالتفات إلى ما سوى الله عز وجل.
وأما الأمور المقارنة للصلاة؛ فهي: ألا يلتفت في الصلاة يمينا، ولا شمالا، وأن يكون حاضر القلب في جميعها بالخشوع، والخوف، وإتمام ركوعها، وسجودها. وأما الأمور الخارجة عن الصلاة؛ فهي: أن يحترز عن الرياء، والسمعة خوف أن لا تقبل منه، مع الابتهال، والتضرع إلى الله تعالى في سؤال قبولها، وطلب الثواب. فالمداومة على الصلاة ترجع إلى نفسها، والمحافظة عليها ترجع إلى أحوالها، وهيئاتها.
{أُولئِكَ} أي: الموصوفون بالصفات المذكورة. {فِي جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ:} جديرون بالإكرام في جنات النعيم. هذا؛ وفي صدر سورة (المؤمنون) قوله تعالى بعد ذكر هذه الصفات، أو ما يقاربها: {أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ}.
خاتمة: قال ابن العربي-رحمه الله تعالى-: من غريب القرآن: أن هذه الآيات العشر عامة في الرجال والنساء، كسائر ألفاظ القرآن، التي هي محتملة لهم، فإنها عامة فيهم، إلا قوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ}(٢٩) فإنما خاطب بها الرجال خاصة دون الزوجات بدليل قوله تعالى: {إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(٣٠) وإنما عرف حفظ المرأة فرجها من أدلة أخر، كآيات الإحصان، عموما وخصوصا، وغير ذلك من الأدلة.
أقول وهذا شيء نوهت عنه كثيرا، وذكرت: أن المدح، والذم، والترغيب، والترهيب بلفظ المذكر يدخل تحته النساء إلحاقا؛ إذ ما من شك أن في النساء متقيات، ومؤمنات، وصالحات، وخبيثات، وفاسقات... إلخ، والتعبير بلفظ المذكر، إنما هو من باب تغليب المذكر على المؤنث. خذ قوله تعالى في آخر سورة (التحريم) في مدح مريم على نبينا، وحبيبنا، وعليها، وعلى ابنها ألف صلاة، وألف سلام:{وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَالَّذِينَ:} الواو: حرف عطف. (الذين): معطوف على ما قبله. {هُمْ:} مبتدأ.
{عَلى صَلاتِهِمْ:} متعلقان بما بعدهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {يُحافِظُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:«هم يحافظون على صلاتهم». صلة الموصول، لا محل لها،