هذه السورة إنما أمر الله بها الأمة. والأصح: أنه صلّى الله عليه وسلّم كفّر، فقد قال زيد بن أسلم، ومقاتل: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعتق رقبة في تحريم مارية-رضي الله عنها-.
بقي أن تعرف الحكم في لفظ التحريم بالنسبة لعامة الأمة، مثل أن يقول الرجل: أنت عليّ حرام، أو عليّ الحرام، فقد نقل القرطبي-رحمه الله تعالى-عن العلماء فيه ثمانية عشر قولا، والخازن قد اختصر الكلام في ذلك؛ حيث قال: اختلف العلماء في لفظ التحريم، فقيل: ليس هو بيمين، فإن قال لزوجته: أنت عليّ حرام، أو قال: حرمتك، أو أنت محرمة عليّ، أو عليّ الحرام، فإن نوى طلاقا؛ فهو طلاق، وإن نوى ظهارا؛ فهو ظهار، وإن نوى تحريم ذاتها، أو أطلق؛ فعليه كفارة اليمين بنفس اللفظ ولا تحرم عليه؛ لأن الأعيان وما ألحق بها لا توصف بالتحريم، وإن قال لطعام، أو لباس، أو مكان: حرمته على نفسي، أو هو محرم عليّ، فلا شيء عليه، وهذا قول أبي بكر، وعمر، وغيرهما من الصحابة والتابعين-رضي الله عنهم أجمعين- وإليه ذهب الشافعي-رضي الله عنه-. وإن لم ينو شيئا؛ ففيه قولان للشافعي: أحدهما: أنه يلزمه كفارة اليمين. والثاني: لا شيء عليه، وأنه لغو، فلا يترتب عليه شيء من الأحكام.
وذهب جماعة إلى أنه يمين، فإن قال ذلك لزوجته، أو جاريته، فلا تجب عليه الكفارة ما لم يقربها كما لو حلف: أنه لا يطؤها، وإن حرم طعاما؛ فهو كما لو حلف أن لا يأكله، فلا كفارة عليه ما لم يأكله، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأصحابه.
والمشهور: أن لفظ التحريم كناية عند الشافعي، فإن نوى الطلاق؛ كان طلاقا، وإن لم ينوه كان عليه كفارة يمين. وهو طلقة بائنة عند أبي حنيفة. وذكر القرطبي: أن المشهور من مذهب مالك: أنه في المدخول بها ثلاث، وفي غير المدخول بها طلقة واحدة.
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال:«إذا حرم الرجل امرأته، فهي يمين يكفرها»، وقرأ قوله تعالى:{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} متفق عليه، وعنه أيضا: أنه أتاه رجل، فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حراما، فقال: كذبت، ليست عليك بحرام، ثم تلا قوله تعالى:
الإعراب:{قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {فَرَضَ اللهُ:} ماض، وفاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {تَحِلَّةَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {أَيْمانِكُمْ:} مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَاللهُ:}(الواو): واو الحال. (الله): مبتدأ. {مَوْلاكُمْ:} خبره مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية في محل نصب حال من كاف الخطاب، والرابط:
الواو والضمير، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها.