للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول المشبّهة، وقال بعضهم: نقرؤها، ونتأوّلها، ونجعل حملها على ظاهرها. انتهى قرطبي بحروفه.

أقول: وهذا الأخير هو الذي يفسر بقصد إرادته ومشيئته، وهذا مذهب التأويل، والأوّل مذهب التفويض، والثاني مذهب التشبيه، ويقول أهل مذهب التأويل أيضا: استوى: استولى، كما قال الشاعر: [الرجز]

قد استوى بشر على العراق... من غير سيف ودم مهراق

هذا وتفيد هذه الآية: أنّ الله تعالى خلق الأرض قبل السّماء، كذلك قوله تعالى في سورة (فصلت) رقم [١١]: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ..}. إلخ. انظر شرحها هناك، فإنه جيد، والحمد لله! وقال في سورة (النازعات) رقم [٢٧]: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها} فوصف خلقها، ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} فكأنّ السماء على هذا خلقت قبل الأرض، وهذا قول قتادة -رضي الله عنه-: إنّ السّماء خلقت أولا.

وقال مجاهد، وغيره من المفسّرين: إن الله تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه، فجعله أرضا، وثار منه دخان فارتفع، فجعله سماء، فصار خلق الأرض قبل خلق السماء، ثم قصد أمره إلى السّماء، فسواهنّ سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وكانت إذ خلقها غير مدحوّة.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وقول قتادة يخرّج على وجه صحيح إن شاء الله تعالى، وهو:

أنّ الله تعالى خلق أولا دخان السماء، ثم خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان، فسوّاها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقد شرحت ذلك، وفصلته في سورة (فصلت) والحمد لله!.

قال القرطبي: ذكر الله تعالى: أنّ السموات سبع، ولم يأت للأرض في التنزيل عدد صريح لا يحتمل التأويل إلا قوله تعالى في آخر سورة الطلاق: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ،} وقد اختلف فيه، فقيل:

ومن الأرض مثلهنّ في العدد؛ لأن الكيفية والصفة مختلفة بالمشاهدة والأخبار، فتعيّن العدد، وقيل: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} أي: في غلظهنّ وما بينهنّ. وقيل: هي سبع إلا أنه لم يفتق بعضها من بعض، قال الداودي: والصّحيح الأول، وأنها سبع كالسّماوات. روى مسلم عن سعيد ابن زيد -رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين». ومن حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقّه إلاّ طوّقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة». رواه مسلم أيضا. ومعنى: (سواهنّ): سوى سطوحهن بالإملاس، وقيل: جعلهنّ سواء، وقيل: خلقهن مستويات لا عوج فيهنّ، ولا شقوق.

{عَلِيمٌ:} من صيغ المبالغة، ومعناه: الواسع العلم؛ الذي أحاط علمه بجميع الأشياء، قال أبو حيان: وصف تعالى نفسه ب‍ (عالم، وعليم، وعلام) وهذان للمبالغة، وقد أدخلت العرب

<<  <  ج: ص:  >  >>