ومن الأكل بالباطل: أن يحكم الحاكم لك؛ وأنت تعلم أنّك مبطل، فالحرام لا يصير حلالا بقضاء الحاكم؛ لأنّه يقضي بالظاهر. فقد روى الأئمّة عن أمّ سلمة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قطعت له من حقّ أخيه شيئا؛ فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من نار». وفي رواية أخرى: «فليحملها، أو ليذرها».
هذا؛ والباطل: ضد الحقّ، والباطل بمعنى الفاسد، والبطلان عبارة عن عدم الشيء، إما بعدم ذاته، أو بعدم فائدته، ونفعه. هذا؛ و «بطل» من باب دخل، والبطل بفتحتين: الشجاع، والبطل: بضم فسكون: الباطل، والكذب، والزور، والبهتان، والبطالة: التعطّل، والتفرّغ من العمل، ومبطل: اسم فاعل من: أبطل الرّباعي، والباطل في قوله تعالى في سورة (فصلت):
{لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} قال قتادة، والسّدي: الباطل: الشّيطان لا يستطيع أن يغيّر في القرآن شيئا، ولا يزيد، ولا ينقص منه، وقوله تعالى في سورة (الشورى): {وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ} الباطل: الشرك، والبطلة في قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تستطيعها البطلة» أي: لا تستطيع قراءة سورة (البقرة) السّحرة. هذا؛ ويجمع «باطل» على: أباطيل شذوذا، كما شذّ: أحاديث، وأعاريض، وأفاظيع في جمع حديث، وعريض، وفظيع. وفي القرطبي: وجمع الباطل: بواطل، والأباطيل جمع: البطولة، ولم أجده في كتب اللغة.
{إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً:} أي: إلا أن تكون الأموال أموال تجارة، والتّجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة، ومنه: الأجر، والثواب؛ الّذي يعطيه الله تعالى للعبد يوم القيامة عوضا عن الأعمال الصّالحة؛ التي هي بعض من فعله. قال تعالى في سورة (الصف): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ}. وقال تعالى في سورة (فاطر): {يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ}.
وقال تعالى في سورة (التوبة): {إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ..}. إلخ، فسمّى الله ذلك كلّه: بيعا، وشراء على سبيل المجاز. تشبيها بعقود البيع، والشراء؛ التي تحصل بها الأغراض، والمعاوضات. {عَنْ تَراضٍ:} أي: عن طيب نفس كلّ واحد من المتبايعين. وقيل: هو أن يخيّر كلّ واحد منهما صاحبه بعد البيع فيلزم، وإلا فلهما الخيار ما لم يتفرّقا، لما روي عن ابن عمر-رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا تبايع الرّجلان؛ فكلّ واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرّقا، وكانا جميعا، أو يخيّر أحدهما الآخر، فإن خيّر أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك؛ فقد وجب البيع، وإن تفرّقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع؛ فقد وجب البيع». رواه الشّيخان، وغيرهما.
هذا؛ ومن هذه الآية الكريمة احتجّ الشافعي-رضي الله عنه-على أنّه لا يصحّ البيع إلا بالإيجاب، والقبول؛ لأنّه يدلّ على التّراضي نصّا بخلاف المعاطاة، فإنّها قد لا تدلّ على