(الطور): {قالُوا إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ}. قال:
ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا، والضحك فيها، والتفكه فقال: {إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً}.
وقيل: كان لنفسه متابعا، وفي مراتع هواه واقعا، فأبدله الله تعالى بذلك السرور غما دائما، لا ينقطع.
{إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} أي: علم، وتيقن بزعمه أن لن يرجع حيا مبعوثا، فيحاسب، ثم يثاب، أو يعاقب. يقال: حار، يحور: إذا رجع. قال لبيد-رضي الله عنه-: [الطويل]
وما المرء إلاّ كالشّهاب وضوئه... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما كنت أدري ما يحور؛ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها: حوري، حوري؛ أي: ارجعي إليّ. فالحور في كلام العرب: الرجوع، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور». يعني: من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة.
ويروى الحديث: (بعد الكون) ومعناه: من انتشار الأمر بعد تمامه. وسئل معمر عن الحور بعد الكون، فقال: هو الكنتي، فقال له عبد الرزاق: وما الكنتيّ؟ فقال: الرجل يكون صالحا، ثم يتحول رجل سوء. قال أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخ: كنتي، كأنه نسب إلى قوله: كنت في شبابي كذا. قال الشاعر-قال السيوطي: هو الأعشى-: [الطويل]
فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا... وشرّ خصال المرء كنت وعاجن
عجن الرجل: إذا نهض معتمدا على الأرض من الكبر، فهو شبيه بالذي يعجن العجين.
والكنتي: هو الذي يقول: كنت شجاعا، وكنت كريما، وكنت... إلخ. والكانيّ: هو الذي يقول: كان لي مال، وكنت أهب، وكنت أعطي، وكان لي خيل، وكنت أركب. وانظر شرح {كانَ} في الآية رقم [١٠] من سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. {بَلى} أي: ليس الأمر كما ظن، بل يحور، ويرجع، ويبعث، ويحاسب. وانظر شرح {بَلى} في الآية رقم [٩] من سورة (الملك). {إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً} أي: من يوم خلقه إلى أن يبعثه، بل وعالما بما سبق له من الشقاء والسعادة.
الإعراب: {إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه يعود إلى {مَنْ،} تقديره: «هو». {فِي أَهْلِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما، والهاء في محل جر بالإضافة، {مَسْرُوراً:} خبر {كانَ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مستأنفة، أو تعليلية لا محل لها. {إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها.
{ظَنَّ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {مَنْ}. {أَنْ:} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، التقدير: أنه. {لَنْ:} حرف نفي، ونصب، واستقبال. {يَحُورَ:} فعل مضارع منصوب ب: {لَنْ،} والفاعل مستتر يعود إلى {مَنْ} أيضا، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {أَنْ}