{وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى:} إعطاء ذوي القرابات شيئا من المال، إن كان المرء في سعة، وهم محتاجون، فإن لم يكن أحدهما، أو كلاهما؛ فدعاء حسن، وتودد، وزيارة، ومثله قوله تعالى في سورة (الإسراء): {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} الآية رقم [٢٦]، وينبغي أن تعلم أن {ذِي} بمعنى:
صاحب، ويجمع جمع تكسير (ذوين وذوون) وتحذف نونهما للإضافة، ويجمع على غير لفظه (أولون وأولين) وهو كثير مثل أولو الألباب، ونحوه.
{وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ} أي: الزنى، ويدخل تحته ما قبح من الأقوال والأفعال، والأخلاق المذمومة جميعها، و {وَالْمُنْكَرِ:} هو ما استقبحه الشرع والعقل، والفطرة السليمة، وهو يعم جميع الرذائل والمعاصي والدناءات على اختلاف أنواعها، وتفاوت مراتبها، وتباين درجاتها، والمعروف بعكسه، وقد شرحتهما في غير ما آية.
{وَالْبَغْيِ:} هو الظلم والاعتداء على حق غيرك، وعواقبه ذميمة. ومآل الباغي وخيم، وعقباه أليمة، ولو أن له جنودا بعدد الحصى والرمل والتراب، ورحم الله من يقول: [البسيط]
لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا... جنوده ضاق عنها السّهل والجبل
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا تمكر، ولا تعن ماكرا، ولا تبغ، ولا تعن باغيا، ولا تنكث، ولا تعن ناكثا». وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ} وقال: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} وقال: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} وقال أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-:
(ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه)، وتلا الآيات الثلاث. وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أسرع الخير صلة الرّحم، وأعجل الشّرّ البغي، واليمين الفاجرة». وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه قال:
«لو بغى جبل على جبل لدكّ الباغي» ورحم الله من يقول: [البسيط]
يا صاحب البغي، إنّ البغي مصرعة... فاربع فخير مقال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل... لاندكّ منه أعاليه وأسفله
وكان المأمون العباسي يتمثل بهذين البيتين في أخيه الأمين حين ابتدأ بالبغي عليه، قال الشاعر الحكيم: [مجزوء الكامل]
والبغي يصرع أهله... والظّلم من مرتعه وخيم
هذا؛ وانظر أنواع الظلم في رسالة: (الحج والحجاج في هذا الزّمن) وأقبح أنواع الظلم أن يظلم الإنسان نفسه بارتكاب المعاصي، والسيئات، فيسبب لها الخلود في جهنم.
{يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي: إنما أمركم بما أمركم به، ونهاكم عما نهاكم عنه في هذه الآية؛ لكي تتعظوا، وتتذكروا. فتعملوا بما فيه رضا الله تعالى، قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: إن أجمع آية في القرآن لخير وشرّ هذه الآية، وكانت هذه الآية سببا لإسلام عثمان بن