أخذ في ذكر داود وقصص الأنبياء؛ ليتسلى بصبر من صبر منهم، وليعلم: أن له في الآخرة أضعاف ما أعطيه داود، وغيره من الأنبياء. انتهى. وانظر ما ذكرته بشأنه في الآية رقم [١٠] من سورة (سبأ)، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
{وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ:} انظر {عِبادِنَا} برقم [٨١] من سورة (الصافات). {ذَا الْأَيْدِ:} ذا القوة في العبادة، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-. وقرأ ابن زيد-رحمه الله تعالى-في سورة (الذاريات): {وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ} وقد كان عليه الصلاة والسّلام يصوم يوما، ويفطر يوما، وذلك أشد الصوم، وأفضله، وكان يصلي نصف الليل، وكان لا يفر إذا لاقى العدو، وكان قويا في الدعاء إلى الله تعالى، وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحبّ الصيام إلى الله عز وجل صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفرّ إذا لاقى العدوّ».
أخرجه البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-. هذا؛ ومنه: رجل أيد، أي:
قوي، وتأيّد الشيء: تقوّى. قال الشاعر: [المتقارب]
إذا القوس وتّرها أيّد... رمى فأصاب الكلى والذّرا
يقول: إذا وتر الله القوس التي في السحاب رمى كلى الإبل، وأسمنها بالشحم. يعني: من النبات الذي يكون من المطر. هذا؛ واليد تستعمل في الأصل للجارحة، وتطلق، ويراد بها:
القوة، والقدرة، كما رأيت في هذه الآية، وكما في الآية رقم [٧٥] الآتية. وخذ قول عروة بن حزام العذري، وهو الشاهد رقم [١١٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل]
وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها... ومالي بزفرات العشيّ يدان
وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٧١] من سورة (يس)، كما تطلق على النعمة، والمعروف، يقال: لفلان يد عندي، أي: نعمة، ومعروف، وإحسان، وتطلق على الحيلة، والتدبير، فيقال:
لا يد لي في هذا الأمر، أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير. وينبغي أن تعلم: أن الأيد في هذه الآية مفرد، وليس بجمع يد.
{إِنَّهُ أَوّابٌ} أي: رجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره، وشؤونه، قال الضحاك: أي:
تواب. وعن غيره: أنه كان كلما ذكر ذنبه، أو خطر على باله؛ استغفر منه. ويقال: آب، يؤوب: إذا رجع، كما قال عبيد بن الأبرص من معلقته رقم [١٦]: [مخلع البسيط]
وكلّ ذي غيبة يؤوب... وغائب الموت لا يؤوب
تنبيه: قال الزمخشري في كشافه: فإن قلت: كيف تطابق قوله تعالى: {اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ} وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} حتى عطف أحدهما على صاحبه؟ قلت: كأنه قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: