تنبيه: قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: لم اختار {يُسَبِّحْنَ} على: مسبحات، وأيهما وقع كان حالا؟ فأجاب بأن اختيارها لمعنى، وهو الدلالة على حدوث التسبيح شيئا بعد شيء؛ وكأن السامع محاضر لها، فيسمعها تسبح، ومنه قول الأعشى:[الطويل]
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة... إلى ضوء نار في يفاع تحرّق
ولو قال: محرقة لم يكن شيئا، وقوله:{مَحْشُورَةً} في مقابلة: {يُسَبِّحْنَ} إلا أنه لما لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئا بعد شيء؛ جيء به اسما، لا فعلا، وذلك: أنه لو قيل: وسخرنا الطير يحشرون على أن الحشر يوجد من حاشرها شيئا بعد شيء، والحاشر هو الله عز وجل؛ لكان خلفا؛ لأن حشرها جملة واحدة أدل على القدرة. انتهى.
هذا؛ وفسر التسبيح في الإشراق بصلاة الضحى، فقد روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله تعالى:{يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} قال: كنت أمر بهذه الآية؛ لا أدري ما هي؟ حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب-رضي الله عنها-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها، فدعا بوضوء، فتوضأ، ثم صلى الضحى، فقال:«يا أمّ هانئ هذه صلاة الإشراق».
قلت: والذي في الصحيحين من حديث أم هانئ-رضي الله عنها-في صلاة الضحى، قالت:
ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة بنته تستره بثوب، فسلمت عليه، فقال:«من هذه؟» قلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال:«مرحبا يا أم هانئ!». فلما فرغ من غسله؛ قام، وصلى ثماني ركعات ملتحفا بثوب. قالت أم هانئ-رضي الله عنها-: وذلك ضحى. انتهى. خازن بحروفه. ومثله بل أكثر منه في الكشاف، والقرطبي.
أقول: وصفوة القول: أنه وردت أحاديث صحيحة ترغب في صلاة الضحى، وهي كثيرة مذكورة في كتاب «الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري، وفي غيره، وأكتفي هنا بذكر حديثين هما: فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:، أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم:«بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وركعتي الضّحى، وأن أوتر قبل أن أرقد». رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهما. وعن أبي ذر-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة، فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى». رواه مسلم.
هذا؛ وأكثر صلاة الضحى ثمان ركعات، وأقلها ركعتان، والسلامى في الأصل: عظام الأصابع، والأرجل، والأكف، ثم استعمل في سائر عظام الجسد، ومفاصله، والمعنى: كل عضو من أعضاء المسلم إذا أصبح في عافية، وصحة فعليه صدقة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.