للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كتابنا من الاسترجاع، ولو كان عنده لما قال: {يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ} وقال البيضاوي: وفي الحديث: «لم تعط أمّة من الأمم {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} عند المصيبة إلا أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم». ألا ترى إلى يعقوب عليه السّلام حين أصابه ما أصابه، لم يسترجع، وقال: {يا أَسَفى.}. إلخ.

{وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ}: لم يبصر بهما ست سنين، وإنه عمي، قاله مقاتل، وقيل:

قد تبيض العين، ويبقى شيء من الرؤية، والله أعلم بحال يعقوب عليه السّلام، وإنما ابيضت عيناه من البكاء، ولكن سبب البكاء الحزن؛ فلهذا قال تعالى: {مِنَ الْحُزْنِ}. انتهى. قرطبي.

وقال البيضاوي: وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع، ولعل أمثال ذلك لا يدخل تحت التكليف، فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد، ولقد بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ولده إبراهيم، وقال: «القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرّبّ، وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون». انتهى. والمذموم إنما هو الصياح والنياحة، ولطم الخدود والصدور، وقص الشعور، وشق الثياب ونحو ذلك. {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي: مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه، ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه، فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه قال الله تعالى:

{إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} أي: مملوء كربا أو هو فعيل بمعنى فاعل، قال تعالى: {وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ} قال قتادة: الكظيم: هو الذي يردد حزنه في جوفه، ولم يقل إلا خيرا، وقال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقيا ثمانون سنة لم تجف عينا يعقوب، وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله منه، وقيل: كانت مدة الفراق أربعين سنة.

الإعراب: {وَتَوَلّى}: الواو: حرف عطف. (تولى): ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى يعقوب. {عَنْهُمْ}: متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال مؤكدة من الفاعل المستتر، التقدير: وتولى معرضا عنهم، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:

{قالَ بَلْ..}. إلخ لا محل لها مثلها. (قال): ماض، والفاعل يعود إلى يعقوب. {يا أَسَفى}:

منادى، التقدير: يا أسفا تعال فهذا أوانك، وانظر إعراب: {يا وَيْلَتى} في الآية رقم [٧٢] من سورة (هود)، وانظر إعراب: {يا أَبَتِ} في الآية رقم [٤] وانظر تقدير الكلام في الشرح فإنه يفيد أن أسفا مفعول به لفعل محذوف وأن المنادى محذوف والجملة: {يا أَسَفى} في محل نصب مقول القول.

{عَلى يُوسُفَ}: متعلقان بالأسف؛ لأنه مصدر، وجملة: (قال...) إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {وَابْيَضَّتْ}: (ابيضت): ماض، والتاء للتأنيث. {عَيْناهُ}: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنَ الْحُزْنِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: ابيضت ابيضاضا كائنا من الحزن، والجملة الفعلية هذه معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا، والجملة الاسمية: {فَهُوَ كَظِيمٌ} معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>