عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ويأتي بمعنى: خفي يخفى، قال تعالى في سورة (طه) حكاية عن قول موسى لفرعون: {قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى}. وضلّ الشيء: ضاع، وهلك، ومنه قوله تعالى في سورة (الرّعد): {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ،} وضلّ: أخطأ في رأيه، ولولا هذا المعنى؛ لكفر أولاد يعقوب بقولهم له في حضرته: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} وقولهم في غيبته: {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ،} وضلّ: تحيّر، وهو أقرب ما يفسّر به قوله تعالى مخاطبا حبيبه صلّى الله عليه وسلّم في سورة (الضّحى): {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}.
وأضلّ، يضل غيره من الرّباعي، ومصدره: الإضلال، فهو متعدّ، والثلاثي لازم، ومصدره:
الضّلال، وهو الخروج عن جادّة الحقّ، والانحراف عن الصّراط المستقيم. وينبغي أن تعلم أنّ طريق الهدى واحدة، لا اعوجاج فيها، ولا التواء، قال تعالى في سورة (الأنعام): {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وأما الضّلال؛ فطرقه كثيرة ومتشعّبة، قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة وألف سلام:
{فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ}. وقال الشاعر الحكيم: [البسيط]
الطّرق شتّى وطرق الحقّ واحدة... والسّالكون طريق الحقّ أفراد
لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم... فهم على مهل يمشون قصّاد
والنّاس في غفلة عمّا يراد بهم... فجلّهم عن سبيل الحقّ رقّاد
الإعراب: {لَقَدْ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، تقديره: والله. وقيل: هي لام الابتداء، (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {مَنَّ:} فعل ماض. {اللهُ:} فاعله.
{عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، أو هي ابتدائية لا محلّ لها على الاعتبارين. {إِذْ} حرف تعليل، أو هي ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل: {مَنَّ}. {بَعَثَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى: {اللهُ،} والجملة الفعلية لا محلّ لها على اعتبار {إِذْ} حرف تعليل، وهي في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها على اعتبارها ظرفية. {فِيهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {رَسُولاً:} مفعول به. {مِنْ أَنْفُسِهِمْ:} متعلقان بمحذوف صفة: {رَسُولاً} والهاء في محل جر بالإضافة.
{يَتْلُوا:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو، والفاعل يعود إلى:
{رَسُولاً}. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب صفة ثانية ل: {رَسُولاً} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدّم. {آياتِهِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَيُزَكِّيهِمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل،