للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض حفرة، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد لحمه، وعظمه فما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمّنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».

وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص يروي عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! أيّ الناس أشدّ بلاء؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا؛ اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلاه الله على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتّى يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة». رواه ابن ماجة، والترمذي.

وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: أنه دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو موعوك، عليه قطيفة، فوضع يده فوق القطيفة، فقال: ما أشدّ حمّاك يا رسول الله! قال: «إنا كذلك يشدّد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر». ثمّ قال: يا رسول الله! من أشدّ النّاس بلاء؟ قال: «الأنبياء»، قال: ثمّ من؟ قال: «العلماء»، قال: ثم من؟ قال: «الصالحون، كان أحدهم يبتلى بالفقر حتّى ما يجد إلاّ العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشدّ فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء». رواه ابن ماجة، والحاكم.

{فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا:} في إيمانهم. {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ:} في دعواهم الإيمان، و (ليعلمن) هنا ليس على ظاهره؛ لأن الله قد علم الصادق من الكاذب قبل أن يخلقهما، فهو كقوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا} [آل عمران: ١٦٦ و ١٦٧] وهو يحتمل ثلاثة معان: الأول: أن (يعلمن) بمعنى: يظهرن. الثاني: أنه بمعنى يميزن بين الصادق، والكاذب.

الثالث: أنه بمعنى يجازين الصادق بما يستحق من الثواب، والأجر، ويجازين الكاذب بما يستحق من الخزي، والنكال. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وقرأ الإمام علي-رضي الله عنه-الفعلين (ليعلمنّ) بضم الياء وكسر اللام، وهذه القراءة تحتمل ثلاثة معان: الأول: أن يعلم الله في الآخرة هؤلاء الصادقين والكاذبين بمنازلهم من ثوابه وعقابه، وبأعمالهم في الدنيا، بمعنى: يوقفهم ويظهرهم على ما كان منهم. الثاني أن يكون المفعول الأول محذوفا، تقديره: فليعلمنّ الناس والعالم هؤلاء الصادقين والكاذبين؛ أي:

يشهرهم، هؤلاء في الخير، وهؤلاء في الشر، وذلك في الدنيا، والآخرة. والثالث: أن يكون ذلك من العلامة، أي يضع الله لكل واحد من الصادقين في إيمانهم، والكاذبين علامة يشتهر بها، فالآية على هذا تنظر إلى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها». انتهى. قرطبي بتصرف.

هذا؛ وفي التعبير عن الصادقين بقوله: {صَدَقُوا} وفي التعبير عن الكاذبين باسم الفاعل:

{الْكاذِبِينَ} نكتة، وهي أن اسم الفاعل يدل على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>